فرأى رؤيا ، فقصّها على بحير (١) الراهب ، فقال له : من أين أنت؟ قال : من مكة ، قال : من أيّها؟ قال : من قريش ، قال : فأيش أنت؟ قال : تاجر ، قال : صدق الله رؤياك ، سيبعث نبيّ من قومك ، تكون وزيره في حياته وخليفته بعد موته ، فأسرّ أبو بكر حتى بعث النبي صلىاللهعليهوسلم فجاءه فقال : يا محمّد ، ما الدليل على ما تدّعي؟ قال : «الرؤيا التي رأيت بالشام» ، فعانقه وقبّل عينيه ، فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد (٢) أنك رسول الله [٦٠٤٧].
قال : وثنا أبو سعيد ، أنا أبو بكر أحمد بن عبيد الله البران (٣) بنهر الدير (٤) ، نا محمّد بن يعقوب بن إسحاق ـ بالأهواز ـ نا علي بن عبد الحميد القرشي ، نا موسى بن شيبة ، نا خالد بن القاسم المدائني ، عن محمّد بن عبد الرّحمن البياضي ، عن أبيه ، عن جده ، قال :
قيل لأبي بكر : أخبرنا عن نفسك ، هل رأيت شيئا قط قبل الإسلام من دلائل نبوة محمّد صلىاللهعليهوسلم؟ فقال أبو بكر : نعم ، وهل بقي أحد من قريش أو غير قريش لم يجعل الله لمحمد في نبوته حجّة ، وفي غيرها قال : الله هدى به من شاء وأضل به من شاء ، بينما أنا قاعد في فيء شجرة في الجاهلية إذ تدلّى عليّ غصن من أغصانها ، حتى صار على رأسي ، فجعلت أنظر إليه وأقول : ما هذا؟ فسمعت صوتا من الشجرة : هذا النبي يخرج في وق ة أوه (٥) أتكن أنت من أسعد الناس به ، قلت : بينه ما اسم هذا النبي؟ قال : محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب الهاشمي ، فقال أبو بكر : فقلت : صاحبي وأليفي وحبيبي ، فتعاهدت الشجرة مني تبشرني بخروج النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما أتاه الوحي سمعت صوتا من الشجرة : جدّ وشمّر يا ابن أبي قحافة ، فقد جاء الوحي ، وربّ موسى لا يسبقك إلى الإسلام أحد ، قال أبو بكر : فلما أصبحت غدوت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فلما رآني قال لي : «يا أبا بكر إنّي أدعوك إلى الله ورسوله» ، قلت : أشهد أنّك رسول الله بعثك بالحق سراجا منيرا ، فآمنت به وصدقته [٦٠٤٨].
__________________
(١) في مختصر ابن منظور : «بحيرا».
(٢) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.
(٣) كذا رسمها بالأصل.
(٤) نهر الدير : نهر كبير بين البصرة ومطارا ، بينه وبين البصرة نحو عشرين فرسخا ، وهناك بليد حسن (معجم البلدان).
(٥) كذا بالأصل.