أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني ، عندما أرسله سلطان غرناطة الغني بالله رسولا على إثر بيعته عام ٧٥٥ ه ، مصارعة بين ثور وأسد ، انتهت بانتصار الثور وجرح الأسد ، وخروج طائفة من الرجال المسلحين أخذوا يناوشون الأسد الجريح إلى أن قتلوه ، بعد أن أردى بعضهم (١). وفي مكان آخر يصف ابن الخطيب المصارع الغرناطي بأنه فارس مغوار صارع الثور وهو ممتط فرسه المدرّب ، ثم قتله برمحه. وهذا النوع الثاني من المصارعة ما يزال موجودا في إسبانيا حتى اليوم.
وقد لاقى كتاب «الإحاطة» استحسانا من قبل قارئيه ، فعدّه المقري من الكتب التي ذاع صيتها بالمشرق والمغرب ، وذهب إلى أن المشارقة كانوا أشدّ إعجابا به من المغاربة ، وأكثر لهجا بذكره ، مع قلّته في تلك البلاد المشرقية ، إذ اعتنى باختصاره الأديب المصري الشهير بدر الدين محمد بن إبراهيم البشتكي ، المتوفّى سنة ٨٣٠ ه ، وسمّاه : «مركز الإحاطة ، في أدباء غرناطة» ، وفي في مجلدين بخطّه (٢).
وبرغم ما في كتابه من إيجابيات ، وهي كثيرة جدّا ، فإن لنا بعض المؤاخذات عليه والنقد له ، إذ الكمال لواهبه ، ومنها أنه كثير التكرار في كتاباته ، من ذلك رسالة ينقلها في «الإحاطة» ثم يوردها كما هي في كتابه «الريحانة» ، وقد صدرت عنه عن سلطان غرناطة الغني بالله ، وتتعلق بمجموع الفتوحات والغزوات التي قام بها السلطان المذكور ، أرسلها إلى صاحب تونس أبي إسحاق المستنصر إبراهيم بن أبي بكر ابن يحيى الحفصي (٣). ورسالة ثانية هي رسالة «السياسة» ، وقد نقلها في «الإحاطة» ضمن ترجمته الشخصية ، ثم أوردها كما هي في الريحانة (٤). كذلك نقل في «الإحاطة» بعض مقاماته ورسائله وبعض كتبه الصغيرة ، وأوردها كما هي في الريحانة.
وقد طبع هذا الكتاب مرتين ؛ طبعة ناقصة بجزءين في مجلد واحد ، وطبعة كاملة بأربعة أجزاء ، بتحقيق الأستاذ محمد عبد الله عنان ، مصر ، ١٩٧٣ ـ ١٩٧٧ ، وقد رأينا أن نتولّى هذا العمل تحقيقا وإشرافا ، فآلينا على أنفسنا ألّا نوفّر جهدا في سبيل القدرة على الاضطلاع بكل ما يحتاجه التحقيق ، فبذلنا في إخراجه من العناية ما استطعنا عليه ؛ صحّحنا عددا غير قليل من أخطاء القراءة ، التي لا تكاد صفحة تخلو منها تحريفا وتصحيفا ونقصا وتشويها ، وبخاصة الشعر حيث قمنا بمراجعته وضبطه وفقا للمصادر التي ورد فيها ، وقرنّا النصوص بهوامش وتعليقات تفسيرية ، فعرّفنا
__________________
(١) الإحاطة (ج ٢ ص ٦ ـ ٧).
(٢) نفح الطيب (ج ٩ ص ٣٢٤).
(٣) الإحاطة (ج ٤ ص ٤٨٩ ـ ٥١١) وريحانة الكتاب (ج ١ ص ١٧٩ ـ ٢٠٢).
(٤) الإحاطة (ج ٤ ص ٥٣٤ ـ ٥٤٨) وريحانة الكتاب (ج ٢ ص ٣١٦ ـ ٣٢٤).