الذين كانوا يقومون بالرحلات التجارية إلى تلك الأصقاع. كلّ الذين أشادوا في الماضي والحاضر بظهور الإسلام هناك كانوا يقفون مشدوهين امام الأثر الحميد الذي خلفته الرحلة التجارية في نفوس أولئك الذين اقبلوا على الإسلام بكل ما يملكونه من حب.
وقد ذهب بعض المهتمين بأمر الرحلة إلى أبعد من هذا في استيعاب انواع الرحلة فتحدثوا عن الرحلة البرّية والبحرية ، والخارجية والداخلية ، والاختيارية والقسرية ، والفردية والجماعية ، والرحلة الخيالية والرحلة التي تتخد شكل المراسلات أو تهدف إلى إبرام المعاهدات (١٥).
لكننا سنقف هنا لنترك الفرصة للحديث عن نوع أكثر شمولا وأوفر فضاء من كل تلك الأنواع التي تقدمت للرحلة ... ذاك ما نعطيه اسم الرحلة العامة ...
ونقصد بها الرحلات التي جمعت الكثير من كل تلك الأغراض ، ونذكر على الخصوص رحلة ابن بطوطة ، فقد غادر بلدته طنجة في بداية الأمر عام ٧٢٥ بقصد الحج. لكن بسبب تعذر الحج تلك السنة لما صادفه من اضطرابات بين البجاة والمماليك على ساحل البحر الأحمر اضطر للإنتظار سنة كاملة لحضور موسم الحج عام ٧٢٦. وهنا أثناء هذا الفراغ نمت فيه الرغبة للقيام بحضور مجالس للدراسة ، وفي التزوّج مرة أخرى! وفي القيام كذلك بزيارات سياحية على جانب كبير من الأهمية ، وفي القيام برحلات داخل الرحلة. ولم يلبث أن عبر الدنيا وارتاد الأماكن البعيدة. وينبغي أن نقوم بجولة سريعة في المحطات التي مرّ بها لنجد أن ابن بطوطة كانت تتمثل فيه وتنطبق عليه صفات كلّ أولئك الرحالة. فهو حاج وهو دارس وهو سفير وهو سائح وهو مكتشف وهو زائر وهو داعية ، وهو تاجر أيضا ... وهو مبشّر بالمعنى الحقيقي للمبشر.
__________________
(١٥) تراجع مقدمة الرحلة السّفارية المعنونة" بالإكسير في فكاك الأسير" لمؤلفه محمد بن عثمان المكناسي ، وهي من تحقيق الأستاذ محمد الفاسي ، نشر المركز الجامعي للبحث العلمي ـ الرباط ١٩٦٥ وكذلك مقدمة كتاب" فيض العباب ... في الحركة إلى قسطنطينة والزّاب" للدكتور محمد بن شقرون سالف الذكر.