ومولانا محمد الذي أوضح للخلق منهاجا ، وطلّع نور هدايته وهاجا ، بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، واختاره خاتما للنبيّين ، وأمكن صوارمه من رقاب المشركين ، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا وأيده بالمعجزات الباهرات ، وانطق بتصديقه الجمادات ، وأحيا بدعوته الرّمم الباليات ، وفجر من بين أنامله ماء ثجاجا ، ورضى الله تعالى عن المتشرفين بالانتماء إليه أصحابا والا وأزواجا ، المقيمين قناة الدين فلا تخشى بعدهم اعوجاجا ، فهم الذين أزّروه على جهاد الأعداء ، وظاهروه على إظهار الملة البيضاء ، وقاموا بحقوقها الكريمة من الهجرة والنصرة والإيواء ، واقتحموا دونه نار البأس حامية وخاضوا بحر الموت عجاجا ، ونستوهب الله تعالى لمولانا الخليفة أمير المؤمنين ، المتوكل على الله رب العالمين المجاهد في سبيل الله ، المؤيد بنصر الله ، أبي عنان (٣) فارس ابن موالينا الأيمة المهتدين ، الخلفاء الراشدين ، نصرا يوسّع الدنيا وأهله ابتهاجا ، وسعدا يكون لزمانة الزمان علاجا، كما وهبه الله بأسا وجودا لم يدعا طاغيا ولا محتاجا ، وجعل بسيفه وسيبه (٤) لكل ضيقة انفراجا. وبعد فقد قضت العقول ، وحكم المعقول والمنقول ، بأن هذه الخلافة العلية المجاهدة المتوكلية الفارسية (٥) هي ظل الله الممدود على الأنام ، وحبّله الذي به الاعتصام ، وفي سلك طاعته يجب الانتظام ، فهي
__________________
(٣) أبو عنان فارس : هو الملك الذي كان يتربع على كرسي الحكم في الوقت الذي حررت فيه هذه المذكرات بأمره (عام ٧٥٧ ـ ١٣٥٦) على ما عرفناه ... ويلاحظ نعت السلطان أبي عنان بالخليفة وهو اللقب الذي سنعرف عنه بعد قليل ...
(٤) السّيب : العطاء ، ولعل الإشارة إلى فترات امتداد حكم بني مرين وعلى رأسهم أبو عنان فارس إلى باقي بلاد المغرب الكبير ... د. عبد الهادي التازي : التاريخ الدپلوماسي للمغرب ، المجلد السادس والسابع ١٤٠٧ ـ ١٩٨٧ ـ ١٤٠٨ ـ ١٩٨٨ رقم الإيداع القانوني : ٢٥ / ١٩٨٦ مطابع فضالة ـ المحمدية (المغرب).
(٥) الفارسية نسبة إلى السلطان فارس ، أبي عنان ، سالف الذكر وقد حرفت الكلمة عند ناشر مغربيّ إلى الفاسية ، وأتى بعده ناشر مشرقي فعلق قائلا : " إن الفاسية" نسبة إلى مدينة فاس!!
هذا وقد علّق الپروفسور گيب على نعت (الخليفة) الذي أضفاه ابن جزي على السلطان أبي عنان ... بأن عددا من الأمراء انتحلوا لقب الخليفة بعد اختفاء الخلافة في بغداد عام ٦٥٦ ـ ١٢٥٨ ، ويضيف إلى هذا أن أبا عنان هو الأول الذي تغلب على اللقب في عائلته .. ونعتقد أن هذا الكلام يحتاج إلى تحرير أكثر دقة فنحن نعلم أن المغاربة لا يجدون كثير فرق في اللقب بالخليفة أو أمير المؤمنين أو أمير المسلمين وقد وجدنا أن الأمير عليا بن يوسف بن تاشفين (ت ٥٣٧ ـ ١٤٢٧) لقّب بالخليفة وبأمير المؤمنين والمسلمين. د. التازي : تاريخ جامع القرويين ، طبع دار الكتاب اللبناني ١٩٧٢ ج II ص ١٢١ ـ ١٣٤ ـ بلاد الشام في الوثائق الدپلوماسية المغربية ـ تاريخ بلاد الشام ـ نشر الجامعة الأردنية ١٩٧٤ ص ٤٤٧. الأمير مرهف المنقذى في سفارته لدى الخليفة المنصور بحث قدم للمؤتمر الدولي السادس لتاريخ بلاد الشام ونشرته مجلة الأكاديمية عدد ١١ سنة ١٩٩٤.
Gibb : The travels of Ibn Battuta ٨٥٩١., T. I P. ٣ Note ٩.