بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه
قال الشيخ الفقيه الكاتب البارع الناظم
أبو عبد الله محمد ابن الشيخ الفقيه
العالم المتفنن أبي القاسم محمد
ابن جزيّ الكلبي الغرناطي عفا الله عنه (١) :
الحمد لله الذي ذلّل الأرض لعباده ليسلكوا منها سبلا فجاجا ، وجعل منها وإليها تاراتهم(٢) الثلاث نباتا وإعادة وإخراجا ، دحاها بيد القدرة فكانت مهادا للعباد ، وأرساها بالأعلام الراسيات والأطواد ، ورفع فوقها سمك السماء بغير عماد ، وأطلع الكواكب هداية في ظلمات البر والبحر ، وجعل القمر نورا ، والشمس سراجا ، ثم أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد الممات ، وأنبت فيها من كل الثمرات ، وفطر أقطارها بصنوف النبات ، وفجر البحرين عذبا فراتا، وملحا أجاجا ، وأكمل على خلقه الإنعام ، بتذليل مطايا الأنعام ، وتسخير المنشآت كالأعلام ، ليمتطوا من صهوة القفر ومتن البحر أثباجا ، وصلى الله على سيدنا
__________________
(١) هذه هي السّطور الأربعة (المقدمة) التي وجدناها في مخطوطة لابن بطّوطة نعتقد أنها من أقدم المخطوطات إن لم تكن هي التي كتبها ابن جزي بنفسه في صفر ٧٥٧ ـ يبراير ١٣٥٦ قبل أن يتوفاه الله في شوال من نفس السنة ـ أكتوبر ١٣٥٦ ، ونلاحظ أن هذه المقدمة تختتم بكلمة عفا الله عنه وليس بكلمة رحمهالله ، وهي الاشارة التي تزيد في اعتقادنا أن النسخة كتبت بقلم ابن جزّي ، ولابد أن ننبّه هنا إلى أن هذه" المقدمة" توجد في معظم النسخ. وعلى رأسها النسخة الأم ، التي اعتمدها الأستاذان المترجمان : ديفريمري وسانكينيتي عام ١٨٥٤ على الشكل التالي : قال الشيخ الفقيه العالم الثقة النبيه الناسك الأبر وفد الله المعتمر شرف الدين المعتمد في سياحته على رب العالمين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن ابراهيم اللواتي ثم الطنجي المعروف بابن بطوطة رحمهالله ورضي عنه بمنه وكرمه أمين أمين.
ومن المعلوم أن هذا خطأ فادح من النساخ! ومن العجب أن الناشرين للرّحلة ، فيما بعد ، ساروا على هذا الخطأ بمن فيهم" اللّذون" قرروا أن يجعلوا كلام ابن جزي في ذيول على حدة ، فقد فاتهم أن هذه" المقدمة" هي لابن جزي وليست لابن بطوطة! وقد تنبه گيب (Gibb) للموضوع فنسب المقدمة لصاحبها ابن جزي.
(٢) التارات جمع تارة : ويعني بها المراحل الثلاث للإنسان : الولادة ، والحشر ، والنشر ، وفي القرآن الكريم : " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى. وهو ما يعني «نباتا وإعادة وإخراجا» ...
وقد حرفت عند بعض الناشرين المغاربة إلى قارات بالقاف عوض التاء وأتى بعد ناشر آخر من المشرق ففسر القصد من القارات الثلاث وأنها" آسيا وافريقيا وأروپا وهي التي تشكل العالم القديم أما ما تبقى من قارات فلم تكن قد اكتشفت بعد" كذا!! ".