العلي أيده الله بمحلّ القبول ، وأبلغ من الإغضاء عن تقصير المأمول ، فعوائدهم في السماح جميلة، ومكارمهم بالصفح عن الهفوات كفيلة ، والله تعالى يديم لهم عادة النصر والتمكين ويعرفهم عوارف التأييد والفتح المبين بمنه وحوله.
(قال ابن بطوطة)
قال الشيخ أبو عبد الله : كان خروجي (٩) من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة معتمدا حج بيت الحرام ، وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام منفردا عن رفيق انس بصحبته ، وركب أكون في جملته (١٠) ، لباعث من النفس شديد العزائم ، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازيم ، فجزمت أمري ولم ابن على السكون ، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكون (١١) ، وكان والديّ بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصبا ، ولقيت كما لقيا نصبا ، وسنّى يومئذ اثنتان وعشرون سنة.
قال ابن جزي أخبرني أبو عبد الله بمدينة غرناطة أن مولده بطنجة في يوم الاثنين السابع عشر من رجب الفرد سنة ثلاث وسبعمائة (١٢).
رجع ، وكان ارتحالي في أيام أمير المؤمنين ، وناصر الدين ، المجاهد في سبيل رب العالمين الذي رويت أخبار جوده موصولة الأسناد بالإسناد ، وشهرت اثار كرمه شهرة واضحة الإشهاد وتحلّت الأيام ، بحلا فضله ، ورتع الانام ، في ظل رفقه وعدله ، الإمام المقدس
__________________
(٩) هنا بداية مذكرات ابن بطوطة بعد الانتهاء من مقدمة ابن جزي ، وهذا التاريخ القمري يوافق من التاريخ الشمسي ١٤ يونيه ١٣٢٥ ، ويلاحظ من الآن أن ابن بطوطة لم يكن مهتما بتقديم معلومات عن المدن المغربية : طنجة تلمسان ، وإنما أخذ في ذلك عندما ابتعد عن البلاد وشعر بالحاجة إلى تقديم الفائدة الجديدة ...
(١٠) الإشارة إلى ركب الحاج المغربي الذي اعتادت الدولة المغربية أن تبعثه إلى الديار المقدسة في كل سنة حيث يرحل في شهور معينة في اتجاه مكة المكرمة ، فكان معظم الناس من مختلف الجهات المغربية ينتظر الانضمام إلى الركب ، لكن في الناس من كان يفضل أن يعتمد على وسائله الخاصة حتى لا يتقيّد بيومية معيّنة ، وفي هؤلاء الرحالة المغربي ابن بطوطة الذي نراه هنا يختار التوجه منفردا إلى تلك الديار ...
محمد المنوني : ركب الحاج المغربي ، معهد مولاي الحسن ، تطوان. مطبعة المخزن ١٩٥٣.
(١١) الوكون جمع وكن (بالنون) عش الطائر ، هذا وتحتوي نسحة باريز على جملة أخرى تقول : " فجزمت أمري عليهجر الإناث من الأحباب والذكور ، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور".
(١٢) كان هذا التاريخ يوافق ٢٤ يبراير ١٣٠٤ ، وحول هذا اللّقاء الذي تم في غرناطة بمناسبة زيارة ابن بطوطة لها بعد عودته للمغرب راجع. (١٧٣ \'IV)