قال ابن جزي : أخبرني شيخي قاضي الجماعة أخطب الخطباء أبو البركات محمد بن محمد بن ابراهيم السلمي ، هو ابن الحاج البلفيقي (٣٤) أنه جرى له مثل هذه الحكاية ، قال : قصدت مدينة بلش (٣٥) من بلاد الأندلس في ليلة عيد برسم رواية الحديث المسلسل بالعيد عن أبي عبد الله بن الكماد وحضرت المصلّى مع الناس فلما فرغت الصلاة والخطبة أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام وأنا في ناحية لا يسلم عليّ أحد فقصد إليّ شيخ من أهل المدينة المذكورة وأقبل عليّ بالسلام والإيناس ، وقال : نظرت إليك فرأيتك منتبذا عن الناس لا يسلّم عليك أحد ، فعرفت أنك غريب فأحببت إيناسك ، جزاه الله خيرا.
ذكر سلطان تونس
وكان سلطان تونس عند دخولي إليها السلطان أبو يحيى ابن السلطان أبي زكرياء يحيى ابن السلطان أبي اسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي زكرياء يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص (٣٦) رحمهالله ، وكان بتونس جماعة من أعلام العلماء ، منهم قاضي الجماعة بها
__________________
(٣٤) البلفيقي : نسبة إلى حصن بلفيق (VELFIQUE) ، وقد ترجم غير واحد لهذه الشخصية الشهيرة في الأندلس والمغرب ٦٦٤ ـ ٧٧٢ ـ ١٢٦٦ ـ ١٣٦٩ ، وقد حلّاه المقري بنادرة الزمان ، كان من هواياته الغريبة المفضلة ملازمته للبناء يستمتع برؤية الطوب والأحجار بل وبالمشاركة الفعلية في بناء المساجد والآبار والحصون ، وقد افتخر بذلك في شعره ... وله صيغة فريدة في إنشاء عقد طلاق زوجته أمّ العباس عائشة بنت الوزير الكناني ، ومن النصائح المنقولة عنه : " أنّ العالم متى واظب على العطاء كثر علمه" ... وقد كان من المهام التي أسندت إليه سفارته لبلاط فاس لتعزية أبي بكر السعيد في والده السلطان أبي عنان ، وهنا أنشد :
لما تبدّلت المجالس أوجها |
|
غير الذين عهدت من جلسائها |
أنشدت بيتا سائرا متقدّما |
|
والعين قد شرقت بجاري مائها |
" أمّا القباب ، فإنّها كقبابهم |
|
وأرى نساء الحيّ غير نسائها"! |
وقد كان قاضيا للجماعة عند زيارة ابن بطوطة للأندلس ...
العباس ابن ابراهيم : الإعلام : ج ١ ص ١٥٤. المطبعة الملكية ـ الرباط ١٩٧٤.
المقري : نفح الطيب ، ج ١ ص ٥١٦ ص ٤٧١ تحقيق إحسان عباس. دار صادر ـ بيروت ١٩٦٨.
د. التازي : المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي ص ١٧ ـ ١٨ ـ ١٩ ، مطبعة النجاح الجديدة ـ البيضاء ، رقم الإيداع القانوني ٧٠١ ـ ١٩٩٢.
(٣٥) بلش مالقة (VELEZMALAGA) تقع شرق مالقة غربي المنكّب.
(٣٦) كان والد أبي يحيى أبي بكر سلطانا لبجاية ، أما عن جده الأعلى الذي يحمل نفس الاسم والذي تملك الحكم من سنة ٦٢٦ إلى ٦٤٧ ـ ١٢٢٨ ـ ١٢٤٩ ، فقد كان هو المؤسس للدولة الحفصية بتونس على ما ذكرنا بعد الفصالة من الموحّدين ...