ثم وصلنا في أول جمادى الأولى (١) إلى مدينة الاسكندرية ، حرسها الله ، وهي الثغر المحروس ، والقطر المأنوس ، العجيبة الشان ، الأصيلة البنيان ، بها ما شئت من تحسين وتحصين ، ومآثر دنيا ودين ، كرمت مغانيها ، ولطفت معانيها ، وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها ، فهي الفريدة تجلّى سناها ، والخريدة تجلّى في حلاها ، الزاهية بجمالها المغرب ، الجامعة لمفترق المحاسن لتوسطها بين المشرق والمغرب ، فكلّ بديعة بها اجتلاؤها ، وكل طرفة فإليها انتقاؤها ، وقد وصفها الناس فأطنبوا ، وصنفوا في عجائبها فأغربوا (٢) ، وحسب المتشوف إلى ذلك ، ما سطره أبو عبيد في كتاب المسالك (٣).
ذكر أبوابها ومرساها
ولمدينة الاسكندرية أربعة أبواب باب السّدرة وإليه يشرع طريق المغرب ، وباب رشيد (٤) ، وباب البحر ، والباب الأخضر ، وليس يفتح الا يوم الجمعة فيخرج الناس منه إلى زيارة القبور ولها المرسى العظيم الشأن ، ولم أر في مراسي الدنيا مثله إلا ما كان من مرسى كولم ، وقاليقوط ببلاد الهند ، ومرسى الكفار بسرداق ببلاد الاتراك ، ومرسى الزيتون ببلاد الصين (٥) وسيقع ذكرها.
__________________
(١) التاريخ يوافق ٥ أبريل ١٣٢٦
(٢) يذكر خسرو علوى الذي زار مصر ٤٤٤ ـ ١٠٥٢ أن عدد السفن يناهز الألف سفينة (سفر نامه) ص ٢٤ ويذكر ليوناردو فريسكو بالدي الذي زارها عام ١٣٨٤ ، أن سكانها ستون ألفا ...
(٣) يعتبر الشيخ أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري من الجغرافيين المسلمين الأوائل الدين يرجع إليهم الفضل في التعريف بالتراث الجغرافي العربي ، وهو من أصل أندلسي (ت ٤٨٧ ـ ١٠٩٤) ، وقد اشتهر بموسوعته (المسالك والممالك) التي نشر جزء منها باسم" المغرب في ذكر افريقية والمغرب" عام ١٨٥٧ من قبل البارون دوسلان وترجمه إلى الفرنسية ، كما نشرت منه قطع خاصة بالروس والصقلب ، هذا إلى تأليفه بعنوان" معجم ما استعجم" الذي قام بنشره عام ١٨٧٦"Wustenfele Gottingen " ... يراجع كتاب الجغرافيا لابن سعيد المغربي ، تقديم وتحقيق : اسماعيل العربي ، الجزائر ١٩٨٢.
(٤) باب رشيد الذي يؤدي إلى مدينة رشيد التي يسميها الإيطاليون روزيطو (Rosetto) ، وهي المدينة التي يذكر ابن الوزان أنه كان بها عند ما مرّ عظيم التّرك سليم لدى عودته من الاسكندرية ، صحبة حاشيته ليقف على الحمّام الجميل الذي كان يشتمل على عدد من سقايات الماء البارد والحار ... هذا وقد هدمت الأبواب الأربعة في القرن التاسع عشر ...
(٥) كولم (Quilon) وقاليقوط (Calicut) وسرداق المستودع الجنوي في القرم ، ومرسى الزيتون بالصين الذي سماه ماركو پولو و (caiton) وهو قانزهو (Quanzhou) الحالية ، كل هذه المواقع سياتي الحديث عنها مفصّلا.