ودعته زوّدني دراهم لم تزل عندي محوطة ولم احتج بعد إلى إنفاقها إلى أن سلبها مني كفار الهنود فيما سلبوه لي في البحر. ومنهم الشيخ ياقوت الحبشي (١٨) من أفراد الرجال ، وهو تلميذ أبي العباس المرسي (١٩) ، وأبو العباس المرسي تلميذ ولي الله تعالى أبي الحسن الشاذلي الشهير ذي الكرامات الجليلة والمقامات العالية (٢٠).
كرامة لأبي الحسن الشاذلي
أخبرني الشيخ ياقوت عن شيخه أبي العباس المرسي أن أبا الحسن كان يحج كل سنة ويجعل طريقه على صعيد مصر ، ويجاور بمكة شهر رجب وما بعده إلى انقضاء الحج ، ويزور القبر الشريف ويعود على الدرب الكبير إلى بلده ، فلما كان في بعض السنين وهي آخر سنة خرج فيها، قال لخديمه : استصحب فأسا وقفة وحنوطا وما يجهز به الميت ، فقال له الخديم : ولماذا يا سيدي؟ فقال له : في (حميثرا) سوف ترى ، وحميثرا بصعيد مصر في صحراء عيذاب (٢١). وبها عين ماء زعاق ، وهي كثيرة الضباع ، فلما بلغا حميثرا اغتسل الشيخ أبو الحسن وصلى ركعتين وقبضه الله عزوجل في آخر سجدة من صلاته ودفن هناك ،
__________________
(١٨) ياقوت الحبشي صوفيّ شهير بالكرامات التي تروى عنه ، أدركه أجله يوم ١٨ جمادى II ٧٣٢ ـ ١٧ مارس ١٣٣٢ بالاسكندرية حيث يزار قبره ويعرف باسم العرشي. ـ ابن تغرى بردى : النجوم الزاهرة. ٥٩٢ ـ ١x الدرر الكامنة ج ٥. ١٨٣. التازي : حول الإمام البوصيري جريدة العلم ٢٦ / ٩ / ١٩٩٥
(١٩) هو أحمد بن عمر المرسى ، أبو العباس ، شهاب الدين ، فقيه متصوف من أهل الاسكندرية ولأهلها فيه اعتقاد كبير إلى اليوم أصله من مرسية في الأندلس وقد توفي عام ٦٨٦ ـ ١٢٨٧. تاريخ الإسكندرية وحضارتها للدكتور السيد عبد العزيز سالم ـ دار المعارف ١٩٦٩.
(٢٠) أبو الحسن علي بن عبد الله الشاذلي المغربيّ الأصل ، مؤسس الطريقة الشاذلية ، ولد في قبيلة شاذلة فنسب إليها ، ورحل إلى بلاد المشرق ودخل العراق ثم سكن بالإسكندرية وتوفي بصحراء عيذاب في طريقه إلى الحج عام ٦٥٦ ـ ١٢٥٨ ... ينتسب إلى الادارسة بالمغرب ، وفي رحلته لبلاد النوبة ١٨٨٧ يتحدث بورخارت (Burckardt) عن وجود سهل في مصر العليا يحتوي على بعض الآبار الحلوة يحمل ذلك السهل اسم الشيخ الشاذلي ، يوجد هناك قبر لأحد الأولياء يقصده الناس للتبرك ...
(٢١) يذكر التّجيبي أن حميثراء بئر لا يقيم ماؤها بالمعدة وينزل مسرعا ... وبإزائها قبر أبي الحسن الذي يقصده أهل القوافل للزيارة وقد تميزت معلومات ابن بطوطة بذكرها للقبرية. وقد كان ابن جبير نقل عن أصحاب المراكب في عيذاب أنهم يشحنون الحجاج في مراكب كأنها أقفاص الدجاج لا يبالون بما يصنع البحر بهم قائلين : علينا بالألواح وعلى الحجاج بالأرواح!!
التجيبي : مستفاد الرحلة والاغتراب ، تحقيق عبد الحفيظ منصور. الدار العربية للكتاب ، ليبيا ـ تونس ١٣٩٥ ـ ١٩٧٥ ص ٢٠٥. وقد وصف التجيبي مراكب هذا البحر بأنها في غاية من ضعف البنية! وقال : أنه ركبها مضطرا ومتوكلا على الله!
ابن اياس : بدائع الزهور ، تحقيق محمد مصطفى ـ الهيئة ، المصرية للكتاب القاهرة ١٤٠٢ ـ ١٩٨٢ ، ص ٢٠.