بالكركي (٣٥) فذهب إلى حماية الروم ، وأمر بالمسلمين فحضروا بين فصيلي باب المدينة ، وأغلق دونهم الأبواب نكالا لهم فأنكر الناس ذلك وأعظموه وكسروا الباب وثاروا إلى منزل الوالي فتحصّن منهم وقاتلهم من أعلاه ، وطيّر الحمام (٣٦) بالخبر إلى الملك الناصر فبعث أميرا يعرف بالجمالي (٣٧) ثم أتبعه أميرا يعرف بطوغان ، جبار قاسي القلب متهم في دينه ، يقال : إنه كان يعبد الشمس ، فدخلا إسكندرية وقبضا على كبار أهلها وأعيان التجار بها كأولاد الكوبك وسواهم وأخذا منهم الأموال الطائلة وجعلت في عنق القاضي عماد الدين الكندي جامعة حديد ، ثم أن الأميرين قتلا من أهل المدينة ستة وثلاثين رجلا وجعلوا كل رجل قطعتين وصلّبوهم صفين وذلك في يوم جمعة.
وخرج الناس على عادتهم بعد الصلاة لزيارة القبور وشاهدوا مصارع القوم فعظمت حسرتهم وتضاعفت أحزانهم وكان في جملة أولئك المصلوبين تاجر كبير القدر يعرف بابن رواحة وكان له قاعة معدة للسلاح فمتى كان خوف أو قتال جهز منها الماية والمايتين من الرجال بما يكفيهم من الاسلحة.
__________________
(٣٥) القصد إلى الأمير ركن الدين الكركي ... وقد تعرض لهذه الحادثة التي جرت سنة ٧٢٧ ـ ١٣٢٧ أكثر من مؤلف من أمثال المقريزي في الخطط والسلوك ، والنويري في نهاية الأرب ... وها نحن نرى ابن بطوطة في صدر من يهتم بهذا الحدث في التاريخ الدّولي للإسلام ...
وفي هذه الحادثة يقول ابن الوردي :
تبارك الله ذو الجلال لقد |
|
ادهش عقلي في زماننا الفاسد |
مصادرات جرت وسفك دما |
|
وأصلها ضرب كافر واحد! |
هذا ولم نتمكن من الوقوف على ترجمة الكركى ولا على ترجمة ابن رواحة ...
د. السيد عبد العزيز سالم : تاريخ الاسكندرية وحضارتها صفحة ٢٩٩.
(٣٦) استعمال الحمام الزاجل أو الحمام الرسائلي كما يسميه العمري في ذلك الوقت كوسيلة للبريد العاجل والآمن أمر معتاد وخاصة أيام الملك الناصر ، وقد كثر الحديث والتعليق على هذه الظاهرة الحضارية الرفيعة.
ويذكر القلقشندي أن خلفاء الفاطميين بمصر قد بالغوا في الاهتمام بذلك حتى لأفردوا له ديوانا وجرائد بأنساب الحمام الأصيل ، وقد ظل يتسخدم في مصر قرونا طويلة على نحو ما كان يستعمل في الغرب الإسلامي ...
(٣٧) مغلطاي الجمالي ويعرف بخرز ومعناه الدّيك ، كان من مماليك الناصر فترقى إلى أن أمّره وندبه لعدة مهمات وأرسله أميرا على الحج عام ٧١٨ ثم ولى الوزارة ... ثم أرسله طلى الاسكندرية في الفتنة التي وقعت بها عام ٧٢٧. ثم تنكر عليه الناصر وصرفه عن الوزارة ... في شوال ٧٢٩ ... أدركه أجله بعقبة أيلة عام ٧٣٠ ـ ١٣٢٩ عائدا من الحج. الدرر ج ٥ ص ١٢٤.