رجع ، ويقال إن بمصر من السقائين على الجمال اثنى عشر ألف سقاء وإن بها ثلاثين ألف مكار (٨٠) ، وإن بنيلها من المراكب ستة وثلاثين ألفا للسلطان والرعية ، تمر صاعدة إلى الصعيد ، ومنحدرة إلى الاسكندرية ودمياط بأنواع الخيرات والمرافق ، وعلى ضفة النّيل مما يواجه مصر الموضع المعروف بالروضة ، وهو مكان النزهة والتفرج ، وبه البساتين الكثيرة الحسنة.
وأهل مصر ذوو طرب وسرور ولهو ، شاهدت بها مرة فرجة بسبب برء الملك الناصر من كسر أصاب يده (٨١) فزين كل أهل سوق سوقهم وعلقوا بحوانيتهم الحلل والحلي وثياب الحرير وبقوا على ذلك أياما.
ذكر مسجد عمرو بن العاص والمدارس والمارستان والزوايا
ومسجد عمرو بن العاص (٨٢) مسجد شريف كبير القدر شهير الذكر ، تقام فيه الجمعة ، والطريق يعترضه من شرق إلى غرب ، وبشرقه الزاوية حيث كان يدرس الإمام أبو عبد الله الشافعي(٨٣). وأما المدارس بمصر فلا يحيط أحد بحصرها لكثرتها (٨٤) ، وأما المارستان الذي بين القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون (٨٥) فيعجز الواصف عن محاسنه ، وقد أعد فيه من المرافق والأدوية ما لا يحصر ، ويذكر أن مجباه ألف دينار كل يوم.
__________________
(٨٠) المكار : من كاراه مكاراة وكراء الدابة : اجره ، فهو مكّار بضم الميم وفتح الكاف. هذا وقد عوّضت اليوم آلاف سيارات الأجرة ما كانت الدوّاب تقوم به بالأمس!.
(٨١) عرف هذا الاحتفال عند بعض المؤرخين في يوم ٤ جمادى الثانية ٧٣٠ ـ ٢٥ مارس ١٣٣٠ ...
(٨٢) كان هذا المسجد هو الأول الذي شيّد في مصر عام ٢٠ ـ ٦٤١ من قبل الفاتح عمروا بن العاص ، ثم أعيد بناؤه عدة مرات ، وقد صادف أن كان في حالة خراب عند زيارة ابن بطوطة لمصر ، وأمّا البناء الحالي للمسجد فإنه يرجع لعام ١٢١٢ ـ ١٧٩٨.
(٨٣) الإمام الشّافعي هو الذي ينسب إليه المذهب الشافعي أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ولد في غزة ، وتوفي بمصر عام ٢٠٤ ـ ٧٢٠ ، ومشهده بالقاهرة مقصود ...
(٨٤) كان عدد المدارس بمصر على ذلك العهد بتراوح بين الثلاثين والأربعين.
(٨٥) تعتبر القطع المحفوظة للمارستان ولتربة السلطان قلاون ٦٧٨ ـ ٦٨٩ ـ ١٢٧٩ ـ ١٢٩٠ من أبرز المعالم الأثرية العربية في القاهرة ... وإن اسم طريق" بين القصرين" أت من القصرين الذين بناهما الفاطميون في القرن الرابع والخامس ـ القرن العاشر والحادي عشر الميلادي. واسم (بين القصرين) اختاره عام ١٩٥٦ نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل ، لإحدى قصصه.