والفضائل العظيمة ، وكفاه شرفا انتماؤه لخدمة الحرمين الشريفين ، وما يفعله في كل سنة من أفعال البر التي تعين الحجاج من الجمال التي تحمل الزاد والماء للمنقطعين والضعفاء وتحمل من تأخر أو ضعف عن المشي في الدربين المصري والشامي. وبنى زاوية عظيمة بسرياقص (١٢٠) خارج القاهرة. لكن الزاوية التي بناها مولانا أمير المؤمنين ، وناصر الدين ، وكهف الفقراء والمساكن ، خليفة الله في أرضه ، القائم من الجهاد بنفله وفرضه ، أبو عنان ، أيد الله أمره وأظهره ، وسنى له الفتح المبين ويسّره ، بخارج حضرته العلية المدينة البيضاء (١٢١) حرسها الله لا نظير لها في المعمور في إتقان الوضع وحسن البناء والنقش في الجص بحيث لا يقدر أهل المشرق على مثله ، وسيأتي ذكر ما عمره أيده الله من المدارس والمارستانات والزوايا ببلاده حرسها الله وحفظها بدوام ملكه.
__________________
(١٢٠) سرياقص (SIRYAQUS) على بعد ثمانية عشر كيلوميترا شمال القاهرة ، كانت في تلك الظروف إقامة مفضلة بضواحي القاهرة للسلاطين والأمراء ...
(١٢١) القصد بالزاوية إلى المؤسسة الحضارية الكبرى التي شيدها السّلطان أبو عنان عام ٧٥٤ ـ ١٣٥٣ بضاحية المدينة البيضاء ، فاس الجديدة على الضفة الشمالية لوادي الجواهر شيدها برسم استقبال الواردين لإيوائهم والقيام بشؤونهم وربما عرفت بدار الضّيفان ، ولئن الت اليوم إلى اندثار ، مما أدّى إلى جهلها من قبل الّذي اشتغلوا بابن بطوطة ، فإن ابن الحاج النميري في كتابه (فيض العباب) يصفها باسهاب ، وبدورنا نفضل أن نعيد هذه الصورة الجميلة إلى الأذهان اليوم إشادة وتنويها بها ، لقد كانت شامخة البناء منفسحة الساحة مبيضة المظهر يقوم في قبليّها جامع زيّن سقفه ببدائع الزخارف ، وتقابله في الشمال ـ قبة سامقة ازدوج فيها الحسن الباطن مع الجمال الظاهر من عمل المنهدس محمد بن جدار
وتدور بالزاوية ـ من جهاتها الأربعة ـ مساحات بديعة الاختراع متقابلة الأشكال والأوضاع ، قامت أساطينها كأنها عرائس تجلى ، كما يقول ابن الحاج الذي زارها عام ٧٥٨ ه.
وقد امتد من الجامع إلى القبة صهريج بديع الطول والعرض ينتصب على حافتيه أسدان مصوران من الصفر ، ليقذفا من أفواههما الماء النازل للصهريج.
وفي كل ركن من أركان الزاوية باب ينفذ إلى دار بديعة البناء متناسبة الأجزاء ، مكتملة المنافع ، إلا الباب الواقع في الشمال الغربي فإنه يشرع إلى دار وضوء مستوفية المرافق ، والديار الثلاث : إحداها لامام الصلاة ، والأخرى للقائم بالآذان والتالثة للناظر في الأوقاف الذي كان محمد بن عبد الله بن أبي مدين.
وتتصل الزاوية دار معدة لاستقبال الواردين ، مفتحة أبوابها لنزول القاصدين تقابلها دار أخرى برسم الطبخ وعلاوة على السّانية التي قامت بإزائها لتزويدها بالماء نصب على وادي الجواهر دولاب يضاعف كميات الماء حيث يتفرغ في قناة واصلة إلى الزاوية إلخ.
وقد استمرت الزاوية المتوكلية قائمة حتى صدر المائة الهجرية الحادية عشرة حيث سجل المقري الكتابة المرقومة عليها في نتفة شعرية من نظم الكاتب أبي عبد الله ابن جزي ... وأعتقد أن زلزال نونبر ١٧٥٥ محرم ١٦٦٩ هو الذي كان وراء اختفاء هذا الصرح الحضاري المنقطع النظير. وقد أخطأ الپروفيسور گيب عند ما توهّم كسابقيه أن القصد بالزاوية إلى مدرسة أبي عنان فهذه شيء آخر ... وقد تبعه على خطأه كل من اقتفى أثره : من مونطي وإصطيفان ... فيض العباب ، دراسة د. محمد بن شقرون ، طبع دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ١٩٩٠ ص ٢٠٦ ـ ٢١٨ النفح ٥ ، ٥٣٢ الاستقصاء للناصري ، طبعة البيضاء ١٩٥٤ ، ج ٣ ص ٢٠٦ أزهار الرياض ج ٣ ص ١٩٦ ـ ١٩٧ طبعة المغرب ١٩٧٨. تعليق ١٢٦ ج IV.