المراكشي زعم أنه ابن المرتضى (١٩٤) ملك مراكش وان سنه خمس وتسعون سنة. ولما وصلنا إلى عيذاب وجدنا الحدربي سلطان البجاة يحارب الأتراك ، (١٩٥) وقد خرق المراكب وهرب الترك أمامه، فتعذر سفرنا في البحر فبعنا ما كنا أعدادناه من الزاد وعدنا مع العرب الذين اكترينا الجمال منهم إلى صعيد مصر فوصلنا إلى مدينة قوص التي تقدم ذكرها.
وانحدرنا منها في النيل وكان أوان مده فوصلنا بعد مسيرة ثمان من قوص إلى مصر فبت بمصر ليلة واحدة ... وقصدت بلاد الشام وذلك في منتصف شعبان سنة ست وعشرين ، (١٩٦) فوصلت إلى مدينة بلبيس (١٩٧) ، وضبط اسمها بفتح الموحدة الأولى وفتح الثانية ثم ياء آخر الحروف مسكنة وسين مهمل وهي مدينة كبيرة ، ذات بساتين كثيرة ، ولم ألق بها من نحبّ ذكره(١٩٨) ،
ثم وصلت إلى الصالحية (١٩٩) ، ومنها دخلنا الرمال ، ونزلنا منازلها : مثل السّوادة
__________________
(١٩٤) من المعروف أن أبناء الخليفة الموحّدي المرتضى قصدوا بعد مصرع والدهم (٦٦٥ ـ ١٢٦٦) على مقربة من أزمور مولاي بو شعيب ، قصدوا ديار الأندلس ومكثوا بإشبيلية في ضيافة ألفونس عدة أعوام قبل أن ينتقلوا إلى جهات أخرى ...
د. التازي : التاريخ الدپلوماسي للمغرب ، ج ٦ ص ١٤٨.
(١٩٥) يستعمل ابن بطوطة كلمة الاتراك ويعني بهم جنود الجيش المملوكي الذي يرجع رجاله ـ بالفعل ـ إلى أصل تركي ، وهذه الاصطدامات بين سلطان البجاة وملك مصر سمعنا بها من خلال هذه الإفادة لشاهد عيان هو الرحالة المغربي ابن بطوطة الذي تهيّب امتطاء المراكب كما أشرنا بعد أن بلغه في عين المكان أن طريق البحر الأحمر أمسى غير آمن ... وهنا قرر أن يعود على مثل طريقه ليختار خطّا آخر هو بلاد الشام الذي يوصله إلى البقاع المقدسة. هذا ويلاحظ هربيك (HRBEK) أن ابن بطوطة وصل عيذاب حوالي ١٥ يونيه ١٣٢٦ وأنه عاد للقاهرة حوالي ١٦ يوليه ـ يلاحظ إهمال الباحثة السودانية آمال ابراهيم محمد لهذه الفقرة الهامة من تاريخ الصّراع الدولي حول البحر الأحمر ـ مركز الدراسات والبحوث ـ صنعاء ١٩٩٣.
(١٩٦) كان ذلك يوافق منتصف يوليه ١٣٢٦.
(١٩٧) بلبيس : مدينة معروفة جدا على بعد ثلاثة وثلاثين ميلا ، شمال شرقي القاهرة ، وكانت في تلك الظروف عاصمة اقليم الشرقية وكانت مقرا للقيادة العسكرية ، وبها أقام الإمام البوصيري (ت ٦٦٥ ه)
(١٩٨) يلاحظ السير هاميلتون گيب أن هذه العبارة (نحبّ) من التعابير المغربية الصميمة ، وقد كانت من أوائل الكلمات ذات الطابع المغربي مما يستعمله الرحالة المغربي.
هذا ويوجد في بعض النسخ كلمة (يجب) عوض (نحبّ)
(١٩٩) أسست الصالحية من لدن السلطان الأيوبي الملك الصالح (ت ٦٤٧ ـ ١٢٤٩) على أن تكون حصنا على حدود المملكة ...