ثم سرنا حتى وصلنا إلى مدينة غزة (١) ، وهي أول بلاد الشام مما يلي مصر متسعة الأقطار كثيرة العمارة حسنة الأسواق بها المساجد العديدة ولا سور عليها ، وكان بها مسجد جامع حسن ، والمسجد الذي تقام الآن به الجمعة فيها بناه الأمير المعظم الجاولي (٢) ، وهو أنيق البناء محكم الصنعة ومنبره من الرخام الأبيض ، وقاضي غزة بدر الدين السلختي الحوراني ، ومدرسها علم الدين بن سالم ، وبنو سالم كبراء هذه المدينة ، ومنهم شمس الدين قاضي القدس.
ثم سافرت من غزة إلى مدينة الخليل (٣) صلى الله على نبيّنا وعليه وسلم تسليما ، وهي مدينة صغيرة الساحة ، كبيرة المقدار ، مشرقة الأنوار حسنة المنظر ، عجيبة المخبر ، في بطن واد ، ومسجدها أنيق الصنعة محكم العمل بديع الحسن سامي الارتفاع (٤) مبني بالصخر المنحوت ، في أحد أركانه صخرة أحد أقطارها سبعة وثلاثون شبرا. ويقال : إن سليمان عليهالسلام أمر الجن ببنائه (٥)، وفي داخل المسجد الغار المكرم المقدس ، فيه قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، صلوات الله على نبينا وعليهم ، ويقابلها قبور ثلاثة : هي قبور أزواجهم ، وعن يمين المنبر بلصق جدار القبلة موضع يهبط منه على درج رخام محكمة العمل إلى مسلك ضيق يفضي إلى ساحة مفروشة بالرخام فيها صور القبور الثلاثة ، ويقال : إنها
__________________
(١) كانت غزة سابقا بلدة بسيطة تابعة لإقليم الرّملة لكنها لم تلبث أن أصبحت مركزا حكوميا في عهد الملك الناصر .... وقد استعادت ذكرها اليوم بعد اتفاقية أوصلو ١٣ / ٩ / ١٩٩٣ بين الرئيس عرفات وبين الرئيس بريز (إسحاق رابين).
(٢) القصد إلى سنجر بن عبد الله الجاولي كان من مماليك (جاول) أحد أمراء الظاهر بيبرس. وولي نيابة غزة وبنى عدة مساجد منها هذا المسجد الذي بناه سنة ٧١٤ كما تفيده وثيقة التأسيس توفي بالقاهرة ٧٤٥ ـ ١٣٤٥ والمسجد الآن خراب ومنعزل عن العمران. سليم عرفات البيضي : البنايات الأثرية في غزة وقطاعها. نجدد الشكر للسيد عبد السلام سيناصر رئيس مكتب الاتصال بغزة على «فاكساته» المفيدة.
(٣) الخليل لقب سيدنا إبراهيم عليهالسلام ، وهذه المدينة هي التي تحمل اسم حبرون (HEBRON) ويتحدث الهروي عن زيارته لمدينة الخليل بالمدينة في عهد بودوان عام ٥١٣ ه ... الإشارات ـ دمشق ١٩٥٣ ص ٣١.
(٤) يذكر أن هذا المسجد أيضا بني محل كنيسة شيدت على أثر روماني قديم ...
(٥) " ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ... يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات ... السورة ٣٤ ، الآية ١٣.