ثم سرنا إلى مدينة بيروت (٥٦) وهي صغيرة حسنة الأسواق ، وجامعها بديع الحسن ، وتجلب منها إلى ديار مصر الفواكه والحديد. وقصدنا منها زيارة قبر أبي يعقوب يوسف الذي يزعمون أنه (٥٧) من ملوك المغرب وهو بموضع يعرف بكرك نوح (٥٨) من بقاع العزيز ، وعليه زاوية يطعم بها الوارد والصادر ، ويقال إن السلطان صلاح الدين وقف عليها الأوقاف وقيل السلطان نور الدين (٥٩) ، وكان من الصالحين ، ويذكر أنه كان ينسج الحصر ويقتات بثمنها.
حكاية أبي يعقوب يوسف المذكور
يحكى أنه دخل مدينة دمشق فمرض بها مرضا شديدا وأقام مطروحا بالأسواق ، فلما برئ من مرضه خرج إلى ظاهر دمشق ليلتمس بستانا يكون حارسا له فاستؤجر لحراسة بستان للملك نور الدين ، وأقام في حراسته ستة أشهر فلما كان في أوان الفاكهة أتى السلطان ، إلى ذلك البستان ، وأمر وكيل البستان ، أبا يعقوب أن يأتي برمان ، يأكل منه
__________________
(٥٦) كان لبيروت كما يقول ابن شداد في (الأعلاق) غيضة أشجار صنوبر تتصل بجنوبها إلى جبل لبنان ، ولها بمقربة منها جبل فيه معدن حديد ، وشرب أهلها من الآبار ، وكانت بيروت مرسى لدمشق ... آلت إلى الفرنج حتى ملكها الناصر صلاح الدين وأقطعها عزّ الدين أسامة ... ويذكر الهروي في كتابه الزيارات أنها تحتضن قبر الامام الأوزاعي رحمهالله وقد زرنا المشهد المنسوب إليه على مقربة من المطار.
ـ د. عصام محمد شبارو : تاريخ بيروت منذ أقدم العصور حتى القرن العشرين ، دار مصباح الفكر ١٩٨٧.
(٥٧) أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن بن علي (٥٥٨ ـ ٥٨٠ ـ ١١٦٣ ـ ١١٨٤) أدركه أجله على مقربة من مدينة يابرة (البرتغال) متأثّرا بجروح مميتة عند محاصرته لشنترين ، وهو مدفون في تنملّل (جنوب المغرب) ، فعبارة ابن بطوطة (يزعمون) في محلّها ـ ونشير هنا إلى أن ابن خلكان ينسب ذلك القبر لابي يوسف يعقوب المنصور الذي نعلم أنه دفين مقبرة شالّة بمدينة الرباط بوصية منه في حياته وقد توفي بمدينة مراكش.
د. التازي : مكانة القدس لدى المغاربة ، بحت قدم للندوة العالمية الأولى للآثار الفلسطينية ، جامعة حلب ١٤٠١ ـ ١٩٨١.
(٥٨) (كرك نوح) على ذلك العهد هو العاصمة الادارية لسهل البقاع الذي يقع بين جبال لبنان ... والعزيز اسم لابن لصلاح الدين.
(٥٩) القصد إلى نور الدين محمد بن زنكي الملقب بالملك العادل ملك الشام وديار الجزيرة ومصر ، أعدل ملوك زمانه وأجلهم وأفضلهم ، امتدت سلطته في الممالك الإسلامية حتى خطب له بالحرمين الشريفين ، كان موفقا في حروبه ضد الصليبيين أيام زحفهم على الشام ... إلى جانب كلّ هذا كان يجلس في كل أسبوع أربعة أيام يحضر الفقهاء عنده ويامر بإزالة الحجاب عنه حتى يصل إليه من شاء ، أدركه أجله بدمشق عام ٥٦٩ ـ ١١٧٤.
أبو شامة : عيون الروضتين في أخبار الدولتين تحقيق أحمد البيسومي منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق ١٩٩١ ، قسم أول ص ١٨١ وما بعدها.