الوليد (٧٣) سيف الله ورسوله ، وعليه زاوية ومسجد وعلى القبر كسوة سوداء ، وقاضي هذه المدينة جمال الدين الشريشى (٧٤) من أجمل الناس صورة وأحسنهم سيرة.
ثم سافرت منها إلى مدينة حماة (٧٥) إحدى أمهات الشام الرفيعة ، ومدائنها البديعة ، ذات الحسن الرائق ، والجمال الفائق تحفّها البساتين والجنات ، عليها النواعير كالأفلاك الدائرات (٧٦) يشقها النّهر العظيم المسمى بالعاصي (٧٧) ، ولها ربض سمي بالمنصورية أعظم من المدينة ، فيه الأسواق الحافلة والحمامات الحسان.
وبحماة الفواكه الكثيرة ، ومنها المشمش اللوزي اذا كسرت نواته وجدتّ في داخلها لوزة حلوة (٧٨).
قال ابن جزي : وفي هذه المدينة ونهرها ونواعيرها وبساتينها يقول الأديب الرّحال نور
__________________
(٧٣) خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي ، هذا من أشهر القادة أيام الفتح العربي الأول ... وهو الذي أخرج البيزنطيين من سوريا التي توفى بها سنة ٢٠ أو ٢١ ـ ٦٤١ ـ ٦٤٢ ... ونذكر مع هذا أن الرحالة المغربي ابن جبير هو الأوّل الذي تحدث عن وجود قبر خالد بن الوليد بحمص (ص ٢٠٨) والقبر إلى الآن مزارة للمهتمين بالرجال والمتطلعين للأخبار. ـ ابن خلكان : الوفيات ٢ ، ٤٧٦.
(٧٤) هو محمد بن أحمد بن محمد ... بن سحمان أبو بكر جمال الدين الشريشي ـ ٧٦٩ ـ ١٢٩٥ ـ ١٣٦٨ ٦٩٤ سليل جمال الدين الوارد من شريش على سوريا. ـ ابن حجر : الدرر الكامنة ج ٣ ص ٤٤١ ـ ٤٤٢ ـ مصدر سابق.
(٧٥) كانت حماة تكوّن إمارة مستقلّة تحت سيادة مصر ، محكومة من أحد فروع الأسرة الأيوبية التي كان ممثلها في تلك الفترة المؤرخ والجغرافي الشهير أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهناه ابن أيوب الملك المؤيد المعروف بصاحب حماه ، هو صاحب" المختصر في أخبار البشر" المعروف بتاريخ أبي الفداء المترجم إلى الفرنسية ، رحل إلى مصر واتصل بالملك الناصر فأقامه سلطانا مستقلا على حماة ... ـ الزركلي : الأعلام ٧١٣I.
(٧٦) عند ما نذكر نواعير حماة نستحضر دائما النواعير المماثلة التي كانت تزخر بها مدينة فاس على الخصوص والتي حركت شاعرية الزوار الذين كانوا يترددون على العاصمة في مهمّات سياسية أو علمية أو سياحية من أمثال ابن الخطيب وابن عبد المنان وأبي القاسم الشريف.
د. التازي : التاريخ الدپلوماسي للمغرب ، المجلد الثاني ، ص ١٥٢ ـ ١٥٣ ، مطبعة المحمدية ١٩٨٦.
(٧٧) نهر العاصي (ORONTE) يستمد مياهه من منبع يحمل اسما إغريقيّا (OXIOS) ، وعلى العكس من باقي أنهر سوريا فإنه يتجه من الجنوب إلى الشمال ، ومن هنا جاء الاسم (العاصي).
(٧٨) اشتهرت هذه البلاد بالفواكه الوافرة وخاصة المشمش الذي لا يوجد له نظير في أي مكان وقد تغنى به الشّعراء العرب ...