هذه حلب كم ادخلت ملوكها في خبر كان ، ونسخت ظرف الزمان بالمكان! أنّث اسمها فتحلت بحلية الغوان ، ودانت بالعذر فيمن دان ، وتجلت عروسا بعد سيف دولتها ابن حمدان ، هيهات هيهات سيهرم شبابها ، ويعدم خطابها ، ويسرع فيها بعد حين خرابها! وقلعة حلب تسمى الشهباء (٨٨) ، وبداخلها جبّان ينبع منهما الماء ، فلا تخاف الظمأ ، ويطيف بها سوران ، وعليها خندق عظيم ينبع منه الماء ، وسورها متدانى الأبراج ، وقد انتظمت بها العلاليّ العجيبة المفتحة الطيقان ، وكلّ برج منها مسكون ، والطعام لا يتغير بهذه القلعة على طول العهد (٨٩).
وبها مشهد يقصده بعض الناس يقال : إن الخليل عليهالسلام كان يتعبد به. وهذه القلعة تشبه قلعة رحبة مالك بن طوق التي على الفرات بين الشام والعراق (٩٠) ، ولما قصد قازان (٩١) طاغية التتر مدينة حلب حاصر هذه القلعة أياما ونكص عنها خائبا.
قال ابن جزي : وفي هذه القلعة يقول الخالدي (٩٢) شاعر سيف الدولة :
وخرقاء قد تاهت على من يرومها |
|
بمرقبها العالي وجانبها الصّعب |
يجرّ عليها الجوّ جيب غمامة |
|
ويلبسها عقدا بأنجمه الشّهب |
__________________
(٨٨) لا أعرف وجها لتسميتها بالشهباء إلا ما قيل عن بياض أحجارها وتربتها. هذا ولا يعرف أثر اليوم للبئرين المتحدث عنهما ، وربما كان القصد إلى قنوات كانت تتحكّم في الماء ...
(٨٩) فسّرت لنا هذه الظاهرة ونحن نقوم بزيارة الموقع عام ١٩٩٣ بأن الذين صمّموا للبناء فكّروا في جعله على شكل يضمن تكييفه وحمايته من الرطوبة ، وقد سمعنا مثل هذا عن مبنى البيمارستان ...
(٩٠) تقع رحبة مالك على الفرات في سوريا وقد شيدت من لدن مالك ابن طوق حوالي ١٩٩ ـ ٨١٥ على عهد الخليفة العباسي المأمون.
(٩١) قازان خان ، ملك مغولي إيلخان العراق وفارس نظم حملتين ضد حلب عام ٦٩٩ ـ ٧٠٠ ـ ١٢٩ ـ ١٣٠٠ ولكن بدون نجاح ...
أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ، تأليف محمد راغب الطباخ الحلبي ، تحقيق محمد كمال ، دار القلم العربي بحلب.
(٩٢) يتعلق الأمر في الواقع بأخوين شاعرين : أبي بكر محمد بن هاشم بن وعلة وأبي عثمان سعيد المعروفين بالخالديّين نسبة إلى قرية" الخالدية" على مقربة من الموصل. توفي سعيد عام ٣٧١ ـ ٩٨١ ، وتوفي أبو بكر عام ٣٨٠ ـ ٩٩٠ ، كانا يشتركان في نظم الأبيات أو القصيدة فتنسب إليهما معا ، كانا من خواص سيف الدولة ابن حمدان. ـ ابن خلكان : الوفيات ٣ ، ٤٠٤ ـ ٤ ، ٤٠٤ ـ ٥ ـ ٣٨٠.