مدينة النّجف
ثم رحلنا منها [أي القادسية] فنزلنا مدينة مشهد علي بن أبي طالب رضياللهعنه (١) بالنّجف ، وهي مدينة حسنة في أرض فسيحة صلبة من أحسن مدن العراق وأكثرها ناسا وأتقنها بناء ، ولها أسواق حسنة نظيفة ، دخلناها من باب الحضرة فاستقبلنا سوق البقالين والطباخين والخبازين ، ثم سوق الفاكهة ثم سوق الخياطين والقيسارية ، ثم سوق العطارين ثم باب الحضرة حيث القبر الذي يزعمون (٢) أنه قبر عليّ عليهالسلام ، وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة وحيطانها بالقاشاني (٣) ، وهو شبه الزّليج عندنا ، لكن لونه أشرق ونقشه أحسن.
ذكر الروضة والقبور التي بها
ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة ، ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر مرتين في اليوم ، ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب القبة وعلى بابها الحجّاب والنقباء والطواشية (٤) ، فعندما يصل الزائر يقوم إليه أحدهم أو جميعهم ، وذلك على قدر الزائر فيقفون معه على العتبة ويستأذنون له ، ويقولون : عن أمركم يا أمير المؤمنين هذا العبد الضّعيف يستأذن على دخوله للروضة العلية ، فإن أذنتم له وإلّا رجع! وان لم يكن أهلا لذلك فأنتم أهل المكارم والسّتر! ثم يأمرونه بتقبيل العتبة ، وهي من الفضة وكذلك العضادتان ، ثم يدخل القبّة ، وهي مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه وبها قناديل الذهب والفضة ، منها الكبار والصغار ، وفي وسط القبة مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفاح الذهب المنقوشة المحكمة مسمّرة بمسامير الفضة ، قد
__________________
(١) علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين وابن عم النبي وصهره ، ولى الخلافة بعد مصرع عثمان سنة ٣٥ هجرية ، فنقل العاصمة من مدينة الرسول عليه الصلاة إلى مدينة الكوفة العراقية التي تقع شمالا على بعد مئات الأميال ، وحدث أن قامت حركة تطالب بالقبض على قتلة عثمان وامام تباطؤه تزعمت عائشة مناهضة الامام علي فكانت وقعة الجمل عام ٣٦ التي ضاع فيها آلاف الناس ثم وقعة صفين ٣٧ التي شنت في أعقاب عزل معاوية من ولاية الشام ... وكان ما كان من اختلاف كلمة المسلمين ... إلى أن قتله بالكوفة دار خلافته عبد الرحمن بن ملجم ٤٠ ـ ٦٦١ ... والنجف تقع بظاهر الكوفة ، وبها قبر أمير المؤمنين الذي كنا نتردد عليه أثناء مقامنا بالعراق.
(٢) تعبير ابن بطوطة" بالزعم" لأن المصادر التاريخية ليست على كلمة سواء حول الموضوع ...
(٣) القاشاني نسبة إلى قاشان ، مدينة في إيران بين إصفهان وقم ، شهيرة بأنها مركز لصنع الفخار الملوّن بالأزرق والأخضر. وتوازي هذه الكلمة باللهجة المغربية كلمة الزلّيج التي وردتنا عن الإسبانية (Azulejo) المأخوذة بدورها من الفارسية لأزورد :. (Lapis lazuli)
(٤) الطواشية : الخصيان.