وقال عمر : ضاعت مواريث الناس بالشام ، أبدأ بها فأقسم المواريث ، وأقيم لهم ما في نفسي ، ثم أرجع فانقلب (١) في البلاد ، وأنبذ (٢) إليهم أمري.
فأتى عمر الشام أربع مرات : مرتين في سنة ست عشرة ، ومرتين في سنة سبع عشرة ، ولم يدخلها في الأولى من الآخرتين.
ذكر أحمد بن جعفر بن خالد الدّمشقي ، حدّثني محمّد بن سعيد الأردني ، عن أبي مخنف ـ يعني لوط بن يحيى (٣) ـ قال :
توجه عمر إلى الشام سنة ست عشرة وعليها أبو عبيدة بن الجراح فلما أشرف على غوطة دمشق ونظر إلى المدينة والقصور والبساتين تلا : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ ، وَمَقامٍ كَرِيمٍ ، وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ ، كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ)(٤) ثم تمثّل بقول النابغة :
هما فتيا دهر بكر عليهما |
|
نهار وليل يلحقان التواليا |
إذا ما هما مرّا بحيّ بغبطة (٥) |
|
أناخا بهم حتى تلاقوا الدواهيا |
وقد روي من وجه آخر : أن عمر بن الخطّاب قدم دمشق في الجاهلية وأسره بطريق كان بها ، واستعمله في بعض عمله ، فتغفله وقتله ، وخرج من دمشق هاربا.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسين بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان (٦) ، نا محمّد بن عبد العزيز ، نا أبي ، نا الهيثم ، أخبرني أسامة بن زيد ، عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم.
أن (٧) عمر بن الخطّاب قال : خرجت مع ثلاثين من قريش في تجارة إلى الشام في الجاهلية ، فلما خرجنا من مكة نسيت قضاء حاجة ، فرجعت فقلت لأصحابي : ألحقكم ، فو الله إنّي لفي سوق من أسواقها إذا أنا ببطريق قد جاء فأخذ بعنقي ، فذهبت أنازعه ، فأدخلني كنيسة ، فإذا تراب متراكب بعضه على بعض ، فدفع إليّ مجرفة وفأسا وزنبيلا ، وقال : انقل
__________________
(١) في الطبري : فأتقلب.
(٢) كذا بالأصل والطبري ، وفي المطبوعة : وأنفذ.
(٣) من طريقه رواه ابن كثير في البداية والنهاية ـ بتحقيقنا ٧ / ٦٧ ـ ٦٨.
(٤) سورة الدخان ، الآيات ٢٥ ـ ٢٨.
(٥) بالأصل : بغيطة ، والمثبت عن البداية والنهاية.
(٦) من طريقه رواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٦٩.
(٧) بالأصل : «أنا».