وحجّ سنة خمس وسبعين وثلاث مئة ، ولما ورد بغداد عوتب من دار الخلافة في منعه من اتخاذ صندوق على قبر هارون الرشيد في مشهد طوس ، وصوّر للخليفة أن السبب في منع ذلك فتواه وقبّح صورة حاله ، فاعتذر عن ذلك بأن قال : كنت مفتيا فأفتيت بما وافق الشرع والمصلحة ، وعلمت أنه لو نصب الصندوق ، فانه يقلع منه لاستيلاء المتشيّعة ، ويصير ذلك سبب وقوع الفتنة والتعصب والاضطراب ، ويؤدّي ذلك في فساد الممالك. فارتضاه الخليفة ولم ينجح ما سبق من التخليط ، وخلع عليه.
ثم عاد إلى نيسابور ثمّ بعد ذلك خرج إلى الحضرة ببخارى في صحبة الأمير أبي نصر أحمد بن علي الميكالي ، فحكي أنه حضر درس الامام أبي بكر محمد بن الفضل متنكّرا في مرقعة فجرت مسألة فتكلم فيها وجرى بينهما نوب فاستقبلوا كلامه لفظا ومعنى ، فقال أبو بكر : لعلّك صاعد بن محمد من أصحاب ... [٣٢ ب] فقال : بلى ، فجاء الحاجب وأخذ بضبعه وأجلسه عن يمين الامام أبي بكر ، ثم زاره الامام كرامة له بعد ذلك مرّات وقال : ما عبر جيحون مثله ، وكان ذلك سبب توليته قضاء نيسابور سنة سبع وسبعين وثلاث مئة.
ويحكى أن نوح بن منصور كتب إلى ابن سيمجور! تعجبنا من تهديك ووفور عقلك أن يكون بنيسابور مثل صاعد ولا تطلعنا على أحواله. ثم قلّده القضاء (١) فسعى فيه أحسن سعي ، ثم لمّا انتهت نوبة الولاية إلى السلطان محمود استعفى القاضي عن القضاء فولّى القاضي أبا الهيثم وكان فيه دعابة وبسط في الكلام فشاع ذلك منه ، ولما انتهى إلى مجلس السلطان كثرت ممازحته عزله وأكره القاضي الامام أبا العلاء على تقلد القضاء فلم يجد بدّا منه ، فأنشأ فيه الحاكم أبو سعد ابن دوست :
اليوم أعطي قوس الحكم باريها |
|
وصار أفضل نيسابور قاضيها |
واستقر أمره في التدريس ، ودار عليه الفتوى فكان يحضر مجلسه الأئمة والفقهاء والعلماء ، وقلّ ما يخلو يوم من مئتين أو ثلاث مئة من الفتاوى تأتيه من البلاد فيفتي بها على ما يرتضيه الأئمة ، وتجمع فتاواه لإصابته فيها.
وتخرّج به جماعة من الأئمة الذين كل واحد منهم مشتغل [ظ] بالامامة مثل : أبي بكر المفسّر ، والفقيه أبي سليمان ، والحاكم علي بن رافع ، والقاضي أبي علي الزوزني ، وأبي العباس البسطامي ،
__________________
(١) وكان قبله في القضاء : القاضي أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد كما في ترجمته.