تعالى وحجّ وأناب إلى التقوى والورع.
وسمع الحديث وصحب المشايخ ، متبركا بأنفاسهم ، باذلا وسعه في قصدهم وزيارتهم ، والاقتباس من أنوار دعواتهم واشاراتهم ، فصار مشهورا بحشمة الدين مع حشمة الدنيا ، وأخذ في بناء المساجد وعماراتها ، واتخاذ الربطات والقناطر ، وتهيئة المراحل في الطرق وساير المساعي.
وبارك الله في أموره وفي أولاده وأحفاده وأهل بيته ، كلّ ذلك من حسن نيّته وقوّة اعتقاده ونصرته للسنة والجماعة ، حتى مضت الدول في الانخفاض والارتفاع ، واستمرّت نوبة آل سلجوق في الملك ، وظهر أمره وعلا ذكره وصيته.
وحدّث الثقات : [١٥ ب] أنّه لما وقعت وقعة ... إليه لما كان من الاعتماد عليه بعض ما كان من الذخاير في الخزاين [ظ] فاستدعي منه إنفاقها في الخيرات ووجوه العمارات. ثم بعد ذلك طولب بها فلم ينكر ذلك وأجاب بأنه ما سلّم إليه ما سلّم إلا لوجه الخير ، واثقا بصدق نيته وخير المطالب فيه فان تركه صرفه في الوجه الذي أمر به وإن استردّه ظلما منه كان معذورا فيه عند الله تعالى ، فصدّق فيه وأقرّ على ما ادّعاه.
وعصمه الله بصدقه حتّى تمشى ذلك على لسانه ويديه فأخذ في الانفاق وصرف ما كان بملكه مع ذلك في وجوه الخير فبنى الجامع المعروف بمرو الروذ وأقام فيه الجمع والجماعات ، وأمر بكثير من العمارات بها سوى ذلك.
وكان يدخل نيسابور ويعامل أهلها ويخرج ويعود ، فاطلع على أسرار الأمور ، وعرف الرسوم والمقادير فوقع له الرغبة في بناء الجامع الجديد لما كان عهد من التعصّب بين الفريقين ، واضطراب أمور الأصحاب في الدولة الماضية ووقوع الوحشة الشنيعة قبل انتظام الأمور بالدولة النظامية ، وانقطاع مادّة الأهواء من الفرق وطي بساط العصبية وشرع الرسوم المرضية ، فاستدعى من السلطان المبارك ألب أرسلان الشهيد الاذن في بناء المسجد مستنديا [ظ] بالرأي النظامي ، متوكلا على الله تعالى ، معتضدا بنصرة أهل السنة والجماعة ، فأجيب الى ذلك.
فأخذ في التأسيس والتنفيذ [ظ] من خا [ل] ص ماله الذي ادّخره لوجه الخير مع ما يحصل له من الريع من ضياعه وأسبابه الذي كان تجلب إليه من بلدته ، وكان ابتداء ذلك في شهور سنة ستّ وسنة سبع وخمسين وأربع مئة.