فيبلغون دنقلة وطريق سنار ، ومن تحتهم إبل لا تضارعها فى صلابتها إبل من شواطىء البحر المتوسط إلى بلاد الحبشة. ولا يتكلم العربية من البشارية إلا القليلون. ولا يخشون من أعدائهم غير العبابدة الذين يعرفون منتجعاتهم من الجبال ويأخذونهم فى مضاربهم على غرة. ويستطيع المرء أن يعبر جبال البشارية فى صحبة عبادى إذا صفا الجو بين القبيلتين كما هى الحال اليوم ، ولكن يجب ألا يركن إلى هذا العبادى إلا إذا حجز فرد من أخص أقربائه رهينة. وقد وقع كثير من المماليك المشردين فريسة لغدر هؤلاء العرب ، ولم ينج غيرهم إلا بسفرهم فى جماعات كبيرة.
ويضرب البشارية خيامهم على حدود الحبشة الشمالية وساحل البحر من سواكن إلى مصوع آهل بعشائرهم ، وأهمها : الحمداب ، وبطران ، والعلياب وعمراب ، وغمهتاب ، وحمدوراب ، وأرباب ، والخلة ، والمدوراب ، والسلميلاب ، والأمّرار ، وكلهم يعيشون فى مضارب منفصلة ، وبينهم خصام وعراك كثير. ولا يقتنى البشارية الأسلحة النارية. وتستعمل بعض القبائل الضاربة إلى جوار حدود الحبشة السهام والقسى ، ويتكلمون الحبشية أو قل يفهمونها على ما علمت ، فالأحباش يجدون مشقة كبرى فى فهم لغة البشارية. ولعل اللغتين مشتقتان من أصل واحد ، شأنهما فى ذلك شأن غيرهما من اللهجات الكثيرة السائدة عند الحدود الشمالية للحبشة.
وبين أفراد البشارية تراحم وجود وأمانة. ونساؤهم لا يحتجبن ، ويقال إنهن جميلات كالحبشيات ، وإنهن سيئات الخلق. وقد عثرت بعد بحث طويل شاق على شاب بشارى قدم إسنا ليبيع سيور الجلد التى اشتهر قومه بصنعها. وأغريته بالذهاب إلى مسكنى ، وذلك بمساومته على بضاعته ، وحملته على الإقطار معى ، وما إن بدأت بسؤاله عن لغته حتى أبى أن يمكث ، مع أننى أهديته قميصا. فقد توهم أننى أشتغل بالتعاويذ والرقى ، وأننى أبغى استعمال لغته للإضرار بقومه ، فانطلق مقتحما فناء الدار لا يلوى ، ولم تجد معه كل المحاولات التى بذلتها بعد ذلك لحمله على الرجوع.