من عرب المعازة والعطوانى الذين يسكنون شمالى القصير أفلحوا فى حرمانهم من الأرباح التى يغلها هذا العمل ، والتزموا به من والى مصر. والعبابدة أثرياء ولكنهم سيئو السمعة يرميهم كل من اتصل بهم بالخيانة والغدر ، فهم غير جديرين بالانتساب إلى الأصل العربى الذى يعتزون به. ولا يتورع الرجل منهم عن الحنث بأى يمين أو قسم ، بيد أنى علمت أنهم يخشون الحنث بوعودهم إذا شفعوها بقولهم «وحياة العافية». ويشتهرون فى الصعيد بما يقتنون من كرام الإبل ، ومن الهجن الخفاف على الأخص ، ولهم تجارة واسعة فى السنامكى وفحم السنط ، وكلاهما مستخرج من الأشجار المنتشرة فى جبالهم ، ويصدرون الفحم حتى القاهرة شمالا. ولا يقتنى العبابدة من الخيل إلا القليل ، فهم إذا التحموا مع غيرهم من القبائل العربية حاربوا على ظهور جمالهم مسلحين بالدرق والرماح والسيوف. وأهم عشائرهم الفقراء ، والعشاباب ، والمليكاب. وقلما ينزل عرب العشاباب من الجبل إلى ضفاف النيل ، ولكن كثيرين منهم استوطنوا ضفاف النهر قرب مقرات والدامر على طريق سنار ، وتزاوجوا مع الأهالى هناك. والذين يخيمون منهم مع البشارية يتكلمون لغتهم.
أما البشارية ، الذين قلما ينزلون من جبالهم ، فقوم أبعد ما يكونون عن العمران الحضرى ، وهم أسوأ سمعة من العبابدة. ولا يقتنون غير الإبل والغنم ، وطعامهم الوحيد اللحم واللبن ، ويأكلون أكثر اللحم نيئا. وقد روى لى كثير من النوبيين أن هؤلاء البشارية شديد والغرام بشرب دم الخراف المذبوحة ساخنا ، ويقال إن أحب شىء إليهم وأشهاه أكل نخاع الجمل نيئا. ومنهم من يذهب أحيانا إلى الدر أو أسوان ليبيع السنا والغنم وريش النعام ، فالنعام شائع فى جبالهم ، والسنا التى تنتجها جبالهم من أفضل الأنواع. وهم يقايضون على هذه البضائع بأثواب الكتان وبالذرة التى يلتهمون حباتها نيئة لم تدخل النار ويعدونها طعاما شهيا ، وهم لا يصنعونها خبزا قط. ولا يطول مكث هؤلاء التجار فى الوادى ، إذ سرعان ما يروعهم الجدرى فيفزعون إلى خيامهم. وعرب البشارية لصوص عريقون ، لا يتورعون حتى عن سرقة مضيفهم. ويخرج فتيانهم فى غارات للنهب والسلب