ولو لا طغيان الحكومة واستبدادها لكان النوبيون جيرانا خطرين على مصر فهم يمتازون عن المصريين بالجرأة وحب الاستقلال وشدة التعلق بأرضهم. ويفد على القاهرة منهم كثيرون كل عام ، فيشتغل معظمهم بوابين ، وهم فى ذلك مفضلون على المصريين لأمانتهم ، وبعد أن يقيموا بها ست سنوات أو ثمانية يعودون إلى مسقط رءوسهم بما أصابوا من مال قليل ، مع علمهم بأنهم لن يظفروا فى وطنهم بغير خبز الذرة وجلباب الكتان عوضا عما ينعمون به من أطايب القاهرة. والذين لا يهاجرون منهم لمصر قلما يتجاوزون حدود قراهم ، فعامة النوبيين زاهدون فى المغامرات التجارية. وقد لقيت فى إبريم شيخين أكدا لى أنهما لم يريا الدرقط مع أنها لا تبعد عنهما غير مسيرة خمس ساعات. والذين أقاموا منهم فى مصر وتعلموا العربية تجدهم فى الغالب مسلمين أتقياء يؤدون الصلوات كل يوم ، أمامن يجهلون العربية فلا يعرفون من الصلاة إلا التهليل والتكبير. ويحج بعضهم إلى مكة بطريق سواكن.
وسكان النوبة من أسوان إلى حدود المحس الجنوبية ـ وهو إقليم طوله نحو خمسمائة ميل ومتوسط عرضه نصف ميل ـ يبلغ عددهم ، حسب تقديرى ، مائة ألف نسمة.
***
وإلى القارىء نبذة أضيفها عن البدو الذين يقطنون الجبال الواقعة بين النوبة والبحر الأحمر. هؤلاء البدو قبيلتان رئيسيتان ، العبابدة والبشارية. أما العبابدة فيسكنون الإقليم الواقع جنوبى القصير حتى عرض الدر تقريبا ، وأما البشارية فيحتلون الجبال من ثمّ إلى الجنوب حتى سواكن ، وهناك يجدون لإبلهم وماشيتهم الكلأ الذى ينمو فى مجارى السيول الشتوية. ويقيم كثير من العبابدة فى صعيد مصر على ضفة النيل الشرقية من قنا إلى أسوان ، ومن أسوان إلى الدر ، ولكن أغلبهم ما زال يعيش عيشة البداوة ، ويشتغلون خبراء أو أدلاء لقوافل سنار التى تقوم من دراو ، وكانوا من قبل أدلاء أيضا للقوافل المسافرة من القصير إلى قنا ، ولكن أعداءهم