منهن فى كل أرجاء مصر ، وذلك باستثناء من يوجد منهن فى الدر ، وهؤلاء لسن من الأهالى ، بل هن إماء معتوقات دفعتهن الفاقة إلى احتراف الفحشاء. ويستهجن النوبيون أشد الاستهجان تلك الرذائل والشهوات البغيضة التى نشرها المماليك فى مصر وأذاعوها حتى بين فقراء الفلاحين ، ولا يستثنى من أهل النوبة فى هذا غير أفراد أسرة كاشف الذين يحاولون جهدهم أن يحكوا المماليك فى كل شىء حتى فى أبغض ما يقارفون من آثام.
والأنوال الصغيرة شائعة فى بيوت النوبيين ، ويغزل عليها النساء عباءات من الصوف خشنة ، وقماشا من القطن يصنعون منه القمصان. كذلك يصنعن من سعف النخل الحصر وكئوس الشراب ، والصحاف الكبيرة التى يقدم فيها الخبز على المائدة ـ وكلها مصنوعة باليد ، ولكن فى صناعتها أناقة وإتقانا يوهمان بأنها مصنوعة بالآلات. ولا تنتج النوبة سوى هذه المصنوعات ، أماما عداها فيستورد من مصر.
ولم أر من الآلات الموسيقية فى النوبة سوى ضرب من «الطمبورة» المصرية ذات أوتار خمسة وغطاء من جلد الغزال هذا رسمها :
وللفتيات غرام بالغناء ، وألحان النوبيين عذبة شجية.
ولعبة المنقلة شائعة فى الدر ، كذلك يلعب النوبيون اللعبة التى يسمونها «بياض» والتى وصفتها فى يومياتى عن البطراء فى معرض الحديث عن عرب كرك.
وقد رأيت فى معظم النوبيين رقة ولطفا وعزوفا عن السرقة ، وهى رذيلة معروفة فى مصر ، أو على الأقل فى الأقاليم الواقعة إلى الشمال من أسيوط. والحق أن السرقة تكاد تكون معدومة بينهم ، فإذا ثبت أن منهم من اقترف هذا الجرم طرد من قريته بالإجماع. ولم يضع فى أثناء رحلتى فى النوبة شىء مما أحمل مهماتفه ، مع أننى كنت أنام فى العراء أمام البيت الذى أحط عنده. وفى النوبيين عموما كرم وحسن ضيافة للطارق ، وأنقلهم فى ذلك الكنوز وأهل سكوت. ويغلب على طباعهم الفضول ، فهم يمطرون الغريب وابلا من الأسئلة عن البلد الذى قدم منه والمهمة التى أتى النوبة فيها.