عريضا والزراعة ميسورة والأهالى على شىء من سعة الرزق وجدتهم أطول قامات وأصح أبدانا. أما فى البقاع الصخرية التى لا يتجاوز عرض الوادى فيها عشرين ياردة أو ثلاثين فترى أجسام الناس قميئة هزيلة ، يكاد الرجل منهم فى بعض القرى أن يكون هيكلا يخطو أو شبحا يتراءى.
أما النساء فلهن قامات بديعة ، ووجوه طلقة حلوة وإن لم تكن جميلة ، وطباع لطيفة غاية اللطف ، بل إننى رأيت بينهن حسانا بارعات الجمال ، ولست أشك فى أن دينون قد غمطهن حقهن. ولكن العمل الشاق الذى يقمن به منذ طفولتهن يضنيهن ، فشئون البيت كلها موكولة إليهن ، أما الرجال فمنقطعون للزراعة. ونساء النوبة أعف نساء الشرق قاطبة ، وعفتهن أجدر بالإشادة لما كان ينتظر من تأثرهن بجيرة صعيد مصر الذى يشتد فيه تأثير الغريزة الجنسية. وفى أثناء مكثى بإسنا كان الفتيات يأتين إلى مسكنى كل صباح ليبعننى اللبن ، فكانت المصريات منهن تقتحمن فناء الدار فى جرأة وتسفرن عن وجوههن ، وهو مسلك يفهم منه هنا أنهن يعرضن أنفسهن ، أما النوبيات ـ وكثيرات منهن يقمن مع أسرهن فى إسنا ـ فكن يقفن بعتبة البيت متأدبات لا يتجاوزنها بحال من الأحوال ، ويأخذن ثمن ما بعن من لبن وهن مقنعات.
ويبتاع النوبيون نساءهم من والديهن ، ويدفع الكنزى عادة اثنى عشر محبوبا ثمنا لعروسه ، وهو ما يعادل ستة وثلاثين قرشا ، وكثيرا ما يتزاوجون مع عرب العبابدة ، وبعض هؤلاء زراع مثلهم. ومهر الفتاة من العبابدة ستة جمال تعطى لأبيها ، فيرد منها ثلاثة لابنته تكون ملكا لها ولزوجها ، فإذا طلقت أخذ الزوج ثمن نصفها. وإذا أصرت امرأة فى الصعيد على أن تطلق من زوجها كان له أن يستولى على جهازها وأن يحلق رأسها ، فلا يتزوجها غيره حتى يطول شعرها. والنوبى شديد الغيرة على عرض امرأته ، فإذا خامرته أدنى ريبة فى وفائها له حملها ليلا إلى شاطىء النهر وأغمد مديته فى صدرها ، ثم قذف بها إلى النهر طعاما للتماسيح على حد قوله. وقد حدث فى أسوان أخيرا حادث من هذا القبيل.
والبغاء غير مباح فى النوبة ، فلن تلقى فيها العاهرات اللاتى تجد عددا كبيرا