وجدتنى مضطرا لتغيير خططى. كنت قد جلبت معى بعيرا وحمارا لأحمل أولهما المتاع والزاد والماء ، ولأمتطى ثانيهما جريا على عادة التجار النوبيين الذين يسافرون إلى بلاد الزنج على حمير يبيعونها فيها ثم يعودون راكبين جمالهم. ولم أصطحب معى خادما هذه المرة ، فقد بعثت بالفلاح الذى كان يخدمنى أصدق خدمة طوال إقامتى بالصعيد إلى القاهرة وأنا مغادر إسنا وحملته طائفة من الخطايات ، لأننى عقدت العزم على أن أجرب حظى فى هذه البلاد وحيدا بغير خادم. ولقد تعلمت بالتجربة أن الأجراء الذين لا يحفزهم للخروج فى الرحلات الشاقة الخطرة إلا ما يصيبون من أجر شهرى ، يكرهون فى العادة ركوب الخطر ويجفلون من المشقات مهما هانت ، فيصبحون كلّا على سادتهم لا عونا لهم ، بل إن منهم من يعرض حياة سيده للخطر بجهله أو غدره. ولما كنت موفور العافية فإنى لم أحجم عن تحمل العبء الإضافى الذى كان يحمله عنى خادمى لو أنه رافقنى فى الرحلة. وفى دراو أتيح لى أن أرى ما أعده المسافرون من عدة للرحلة ، وأن أتبين أننى لم أتوخ ما توخوا من اقتصاد شديد. ذلك أن متاعى وزادى كانا يزنان زهاء قنطارين ، فى حين يطيق جملى حمل ستة قناطير. أما مئونتى من الماء فكنت سأحملها فى قربتين صغيرتين أعلقهما على بردعة حمارى. وعلى ذلك يستطيع جملى أن يحمل أربعة قناطير أخر يبلغ أجر نقلها عشرين ريالا بواقع خمسة ريالات للقنطار. فلو أننى استهنت بهذا المبلغ لتعرضت لنقد رفاقى ، ولحملتهم على الظن بأننى ثرى أمثل. وسرعان ما عرض على بعضهم أن أنقل لهم أربعة قناطير عبر الصحراء إلى القوز لقاء الأجر المذكور ، ولكنى رأيت أن تحميل الجمل بهذا الحمل ثم إنزاله عنه سيجشمنى عناء كبيرا ، لذلك استصوبت أن أبيع الجمل ، وما لبثت أن وجدت له مشتريا نقدنى فيه خمسة وعشرين ريالا لأن الإبل كانت عزيزة بصعيد مصر فى ذلك الحين ، وتكفل الرجل فى هذه الصفقة بنقل متاعى عبر الصحراء.
ذهبت إلى دراو متنكرا فى زى تاجر فقير ، وهو المظهر الوحيد الذى أحسبنى كنت أوفق فيه. ولست أرى بأسا من أن أسوق إلى القارىء هنا بيانا مفصلا بما كنت أحمل من متاع وزاد ، فأنا شخصيا كنت إذا قرأت كتب الرحلات أتوق إلى جمع هذه المعلومات للإفادة منها.