يعيش من دخله دون أن يكون له عمل أو مهنة ، فهو إما زارع أو تاجر أو موظف حكومة. فإذا استطاع إنسان أن يعيش دون أن يكون أحد أولئك ، أو دون أن يستجدى ، كان ذلك فى نظرهم مبعثا للدهشة والعجب ومثارا للشبهة فى أن الرجل يخفى صناديق من الريالات المكدّسة.
وألممت مرات بدراو أستطلع أمر القافلة وأتعرف إلى وجوه القوم. وفى منتصف فبراير تقريبا بعث مراسلى بدراو رسولا إلى بإسنا ينبثنى بأن القافلة على أهبة الرحيل ، فانطلقت إلى دراو ، ولكنى وجدت التجار يسوفون ويؤجلون. وانقضى أسبوعان قبل أن يصدر الأمر بقيام القافلة.
ودراو قرية كبيرة على ضفة النيل الشرقية تبعد عشر ساعات إلى الشمال من أسوان ، وأهلها من فلاحى مصر ومن عرب العبابدة الذين نزل كثير منهم القرى المصرية ، جنوب قفط حتى أسوان وبقى بعضهم بالجبل. وهم يعيشون فى الجبل عيشة البداوة طوال الفصل الذى لا تقتضى فيه الزراعة بقاءهم على ضفاف النيل ، أما فيما بقى من شهور السنة فهم يسكنون القرى شأنهم فى ذلك شأن الفلاحين المصريين.
وللقبيلة شيخان يقيم أحدهما فى إقليت الواقعة على ضفة النيل الشرقية على نحو أربع ساعات من دراو شمالا ، ويقيم الثانى فى دراو.
وقد اشتغل العبابدة من عصور سحيقة خبراء للقوافل التى تعبر صحراء النوبة ، وفيهم كثيرون من كبار تجار الرقيق. ويتقاضى شيوخهم ضريبة على كل رقيق وكل جمل محمل يجتاز الصحراء ما لم يكن ملكا لبدوى من قبيلتهم.
أما غير العرب من أهل دراو فهم فلاحون تزوجوا نساء من العبابدة ، وجلهم يشتغل كذلك بتجارة الرقيق. وقد ألفيتهم بعد خبرة مؤسفة صعاليك مملقين يعيشون فى ضنك وفاقة على كثرة ما تدره عليهم تجارتهم من ربح يبددونه فى السكر والفجور.
وكنت قد أخذت عدتى للرحلة وأنا بإسنا. ولكنى ما وصلت دراو حتى