وللباب الضبّة والمفتاح الخشبيان المعروفان فى الشام ومصر ، ولكنهما هنا أخشن صنعة. ولست أذكر أننى رأيت فى الغرف أثاثا ، اللهم إلا أريكة أو سريرا هيكله من الخشب وله قوائم أربع ، فإذا كان مقعده من الجريد فهو سرير ، وإذا كان من سيور رقيقة متعارضة من جلد الثور فهو عنقريب (والكلمة بشارية). وأفضل ضروب العنقريب ما جلب من سنار ، وكثير منه يصدّر للصعيد وبلاد العرب ، واستعماله شائع فى كل أرجاء السودان. وإذا أراد القوم الاحتفاء بغريب أتوه بعنقريب حال وصوله يضطجع عليه ليلا ويتكىء نهارا. ولجلده رائحة خاصة تبعد عنه الحشرات فيما يقولون. ويفرشون بالحصير الجزء الداخلى من الغرف التى تنام فيها النساء ، وكذلك الحجر الأخرى التى يقيل فيها الرجال ، والقيولة ترف لا غنى عنه فى هذه البلاد. فإذا ناموا فرشوا تحتهم بساطا من قطع الجلد يخاط بعضها ببعض ، وآثروا النوم على غير وسادة شأن العرب ، فيكون الرأس فى مستوى سائر الجسم. وتحفظ الذرة فى غرفة المئونة ، إما أكواما على أرضها وإما فى صوامع من الطين وقاية لها من الفيران. على أن الدار تحفل بالفيران برغم ذلك ، وهى تمرح فى الحيشان فى وفرة تتيح للصبية أن يمرنوا على قذفها بالرماح فيقتلون عشرات منها كل يوم. وتحتوى غرفة المئونة على أشياء أخرى فضلا عن الذرة ، ففيها بعض القرب المملوءة زبدا ، وفيها القدور من العسل ، وفيها قرب الماء للمسافرين ، وفيها إلى ذلك اللحم المجفف إذا كان رب الدار مبسوط الرزق. ويغلب أن يخصص الحوش الداخلى للماشية من جمال وبقر وغنم ، وفى جانب منه تحفظ سيقان الذرة الجافة يقدمونها علفا للماشية حين يشتد الصيف فيجفف النبات أو العشب الذى أنبته الفيضان. وبالجوش الخارجى فى أكثر البيوت بئر ماؤها ملح لا يصلح إلا للماشية. وفى هذا الحوش ينام الذكور والأغراب فى الصيف إما على مصاطب من الطين ملاصقة للغرف ، أو على عنقريبات أو على الأرض ، وفيه يعلف آثر الجياد عند رب البيت ، وفيه تصرف الأعمال كلها فى العراء (١)
__________________
(*) فى الصفحتين ٢١٤ و ٢١٥ من الأصل أورد بوركهارت عن البغاء فى بربر تفصيلات لا تظن أن غريبا بكلّ معانى الغربة كرحالتنا هذا يستطيع أن يكون لديه الخبر اليقين عنها ، وهذه التفصيلات تناقض فى نفس الوقت ما أثبته هو عن أخلاق القوم. ولهذا ، وحرصا على ألّا نصيب قوما بجهالة ، آثرنا عدم إثبات تلك التفصيلات فى هذه الترجمة. (غربال)