ويملأون من هذا العجين قدرا تكفيهم مئونة يومهم ، وهم يتركونها من أربع وعشرين ساعة إلى ست وثلاثين يختمر العجين فى أثنائها ويحرف طعمه دون أن يضيفوا إليه خميرة ، ثم يقرصونه بعد ذلك رغفانا صغيرة على لوح من الحديد موضوع على نار ، فإذا لم يتيسر فعلى حجر رقيق ناعم ، فإذا حمى الحديد أو الحجر تم خبز الرغيف منها فى دقائق ثلاث أو أربع. ولما كانت الرغفان صغيرة ، ولما كان لا يوضع فى المرة أكثر من رغيف ، كان خبز قدر كاف منها يتطلب وقتا كبيرا. ومن عادتهم أن يقدموا على المائدة عشرات منها ساخنة فى وعاء خشبي كبير ، ثم يصب عليها اللبن أو الحساء أو مرق البصل (ويسمونه ملّاح). وهم لا يضعون فى الخبز ملحا وإنما يضيفون الملح إلى المرق. هذا اللون من الطعام هو ما يتناولونه فى غدائهم وعشائهم ، وهو لون شديد الخشونة ولكنه ليس كريه الطعم ، وحرافته الطفيفة تجعله سائغا فى ساعات الهجير. وهضمه سهل ، وكنت على الدوام أجده يلائمنى. على أن مذاقه يخبث إذا بات ، لذلك لا يخبزونه إلا قبيل الغداء أو العشاء ، وزادهم فى السفر من رغفان كهذه ولكنها أرق [الكسرة] ، وعجينها يترك يومين أو ثلاثا ليشتد خمره ، فإذا خبزت على النار تركت لتجف فى الشمس ثم كسرت كسرا ووضعت فى حقيبة من الجلد ويسمونها الأبريه. وهذه الطريقة تحفظ الخبز شهورا فيتناوله التجار حين لا يجدون طعاما مطهوا. وقد يصبون على حفن منه السمن السائح فيكسبه ذلك طعما شهيا. وقد تغمس الكسرة فى الماء فيشربونه حين يحرف طعمه ويسمونه «شربة الجلابة».
وكثيرا ما يقدمون على موائدهم اللحم مسلوقا أو مشويا ، واللبن عندهم غذاء رئيسى ، أما البلح فترف عظيم ، ويجلبه تجار دنقلة من المحسّ ، ولا يؤكل إلا فى المناسبات غير العادية ، وهو يسلق عادة مع الخبز واللحم واللبن. ولا يشرب القهوة إلا التجار وعلية القوم ، وحتى هؤلاء لا يتعاطونها كل يوم. واللبن الذى يصنعونها منه ليس عربيا ولا يمنيا ، إنما هو بن ينمو بريا فى جبال الحبشة الجنوبية الغربية ، ويجلبه تجار سنار من هناك. وهذا النوع يباع فى مصر أرخص من