البن اليمنى بثلاثين فى المائة ، على أنك لا تكاد تفرق بينهما طعما أو شكلا (١).
وفى وسع أهل بربر أن يتأدبوا حين يرون التأدب أليق وأجدى. فإذا استقبلوا غريبا وأرادوا الاحتفاء به تكلفوا من الطيبة والبساطة الفطرية ما يخدع أكثر المسافرين حنكة ودراية. على أن هؤلاء المنافقين الذين حذقوا فنهم قل أن ينطلى نفاقهم على من سبق له النزول ببربر. وتسمع حديثهم فإذا هو يفيض بعبارات التحية والمجاملة ، وهم يسألونك عن صحتك وحالك بشتى الأساليب ، فإذا كنت عائدا من غياب طويل قبلوك وصافحوك فى شوق وحرارة. ويسلم الرجل منهم على النساء باحترام وإجلال ، فيمس الرجل جبين المرأة بيمناه ثم يقبل أنامله التى مستها. وهم يسألونك عادة : شديد؟ ، وأغرب من هذا عبارة لم أسمعها من قبل ، فهم يقولون لك : لعلك طيب (٢)؟ ولعلهم يريدون هل أنت من القوة بحيث تمشى على نعلك ما شئت أن تمشى؟ وإذا لقى أحدهم صاحبه أول مرة بعد موت قريب له جثا إلى جواره على إحدى ركبتيه ، وطفق يردد متفجعا «فى سبيل الله ، فى سبيل الله» ، وهو يعنى أن الفقيد مضى فى سبيل الله القويم وأن له أجره ومثوبته.
ثم أقام الشخص بيده ـ رجلا كان أو امرأة ـ وبادله بعد ذلك التحية المألوفة. وأدهشنى ألا أرى القوم فى هذا البلد الإسلامى الصريح يحيون بعضهم بعضا بالتحية الشائعة بين المسلمين ، أعنى عبارة «السلام عليكم». فهم لا يحيون عادة إلا بلفظ طيب؟ يرددونه مرات. وقد يحيى رجال الدين بقولهم «سلام سلام» دون أن يضيفوا إليها كلمة ، ولكن القوم لا يردون تحيتهم بما يرد به المسلمون ، فلا يقولون «وعليكم السلام» ، بل «طيب ، أنت طيب؟». ويحيون أعضاء الأسرة المالكة بعبارة «يا أرباب» ويلقيونهم بالرءوس ، فيقولون الراس إدريس ، والراس محمد إلخ. وهو لقب شائع الاستعمال فى هذه البلاد كلها ، ويبدو أنه انتشر منها إلى الحبشة (٣)
__________________
(١) آثرنا حذف ما ورد فى الصفحات من ٢٢١ إلى أول ص ٢٢٥ لما فيها من كيل السباب جزافا. (غربال)
(٢) لعل صحة هذه العبارة «لعلك طيب». (المترجم)
(٣) أصل اللقب من الحبشة. (المترجم)