وبطلقون على الحكومة لفظا فخما هو السلطنة ، ولا يراد به الحاكم بل الحكومة على وجه العموم.
ولم يطل مكثى ببربر زمنا يتيح لى أن أشهد عادات القوم فى الأفراح والمآتم والختان وما إليها ، ولست أشك فى أنها تخالف العادات الإسلامية الأصلية كما نص عليها الشرع. ومن عادتهم عند موت الميت أن يذبحوا شاة ، فإذا كانت أسرته فى سعة فبقرة أو جملا. وقد ذبح إدريس فى أثناء نزولنا بداره بقرة ترحما على روح قريب له مات قبل شهور ، وصادف موته مجاعة عزت فيها الأبقار. وأتى الرجل بأكثر فقهاء النخيرة ليقرءوا ما تيسر من آى الذكر الحكيم فى غرفة منفصلة. واجتمع فى غرفة أخرى جم غفير من النساء يندين على الطار ويصحن صيحات منكرة أكثر الليل. وقدم الحساء ولحم البقر المشوى لفقراء كثيرين فى فناء الدار ، أما أطيب اللحم فقد جىء به إلى أصحاب إدريس.
حدثت القراء غير مرة عن الفقراء أو رجال الدين ، وقد يسمونهم الفقهاء (١). وقل من الأسر المحترمة من ليس له ولد أو قريب ينقطع فى شبابه لدراسة الفقه والشريعة. فيرسل الطالب وهو فى الثانية عشرة أو الرابعة عشرة إلى مدرسة من المدارس المجاورة ، وأشهرها اليوم فى الدامر على الطريق إلى شندى ، وفى مقرات (٢) وعند الشايقية ، ويتعلم الطلاب فى هذه المدارس القراءة والكتابة ويحفظون عن ظهر قلب ما وسعهم حفظه من القرآن وكتب الصلوات (٣) ، ويتلقون أسرار كتابه الأحراز والتمائم ، ثم يعودون إلى وطنهم فى العشرين فيعيشون فيه متظاهرين بالتقوى والورع والتمسك الشديد بأهداب الفضيلة ، ولكن هذا فى الغالب لا يعدو الزهد فى التدخين ، وفى تعاطى البوظة جهرة ، وفى غشيان بيوت الليل.
وقد يكتبون التمائم على قطع من الورق ، فإذا ابتلع المحب الذى يشكو صدّ حبيبه ورقة منها رق له قلب الحبيب. ومن الفقراء من تخصص لكتابة أحجبة
__________________
(١) فى تكاكى بمقرات قبيلة من الفقهاء الأشراف يزعمون أنهم ينتسبون لبنى العباس.
(٢) فى قرية على النيل بمقرات تدعى وادى حصاد ـ وهى على نصف يوم من بربر ـ يعيش فقيه مشهور له عدد غفير من التلاميذ.
(٣) عرفت فى بربر والدامر فقهاء كثيرين يحفظون القرآن عن ظهر قلب.