وأهل بربر فيما يبدو قوم صحاح الأبدان يندر بينهم معلول أو مهزول. وهواء البلدة صحى من غير شك لوقوعها على أطراف الصحراء. وذكروا لى نبأ حمى يسمونها الوردة ، يلوح أنها مرض وبائى لأنها تفتك بالمرضى فى أغلب الأحيان. ويستهدف الدناقلة لهذه الحمى ، وتتفشى فى الفيضان ، ولكنها لا تظهر كل عام. أما الطاعون فلا يعرفونه ، ويحملنى ما جمعت من أخبار فى رحلتى السابقة للنوبة على الاعتقاد بأن هذا الوباء لا يتجاوز شلال أسوان. أما الجدرى فيفتك بالقوم فتكا ذريعا حيثما حلّ ، وقد جاءهم خلال مجاعة العام الماضى فكان ضغثا على إبالة ، وازداد عدد الضحايا زيادة كبيرة. وقد جلبه إلى بربر قوم من التاكة نقله إليهم تجار سواكن. ثم انتشر فى أعالى النيل طولا وعرضا ، وكان يصاب به الكبار والصغار على السواء ، بل إنه فى الصغار كان أخف وطأة وأسلم عاقبة. وشفى من المصابين به ثلثهم ، ولكنهم ظلوا يحملون سماته على جلدهم ، فكنت ترى أذرعهم ووجوههم تكسوها البقع والندوب التى لا حصر لها. وقل أن يعير الوباء غارة خفيفة يترفق فيها بوجوه ضحاياه فلا يشوهها. والتطعيم أو «دق الجدرى» معروف فى هذه الأرجاء ، ولكنهم لا يقبلون عليه لأنهم ضعيفو الثقة فى جدواه ، فإذا دقوا ففى الساق غالبا. وقد فتك الجدرى فى شهور قليلة باثنين وخمسين شخصا من أسرة تمساح التى ضيفتنا. وأنبائى بعض التجار بالقاهرة وأنا أكتب هذا (فى ديسمبر ١٨١٥) أن وباء آخر قد ظهر هناك فأهلك الأسرة كلها تقريبا ومنهم إدريس نفسه. وعلاح الجدرى عندهم أن يدهن الجسم كله بالسمن مرتين فى اليوم أو ثلاثا ، وأن يلزم المريض غرفته لا يبرحها. ويظهر الوباء بينهم مرة كل ثمانية أعوام أو عشرة ، وهم يفزعون منه أشد من فزع المشارقة من الطاعون ، فيهرب الكثيرون من عدواه إلى الجبال. وقيل لى فى مصر إن الجدرى أشد خطرا فى بلاد الزنج منه فى سواها لما فى جلودهم من غلظ ، فقد تشتد الحمى لأن الجلد الصفيق يقاوم جهود السم فى اختراقه. وقد يكون هذا صحيحا فى حالة العبيد الزنوج ، ولكنه ليس صحيحا فى بربر حيث جلد القوم فى رقة جلد البيض ونعومته. ولم أر من حالات الإصابة بالرمد إلا قليلا ، ويقال إن الأمراض السرية منتشرة بين