أهل بربر فإذا صحّ هذا فإن آثارها هنا ليست وبيلة كآثارها فى مصر ، لأننى لم أر بينهم ما رأيت فى شمال وادى النيل من وجوه مقروحة وأنوف شائهة.
وعرب الميرفاب رعاة زراع ، إذا انحسر الفيضان زرعوا الأرض ذرة وقليلا من الشعير. وقبل أن يزرعوها يعزقونها بالفئوس ، أما المحراث فلا يستعملونه ، وقد استعمل مصرى محراثا للمرة الأولى فى العام الماضى. وسواقيهم تعدّ على الأصابع ، فليس فى قريتى النخيرة والحصا أكثر من أربع أو خمس منها. ويزرعون الأرض مرة فى السنة ، ولا يغمر ماء الفيضان الكثير من الأرض الزراعية لأن ضفاف النيل تصل إلى ارتفاع كبير يجاوز ارتفاعها فى مصر على العموم ، ولا يعوض القوم فى الغالب هنا العجز بالرى الصناعى كما يفعل أهل مصر حتى يأخذوا من الأرض عدة محاصيل ، ومن هذا يسهل على القارىء أن يدرك السر فى كثرة تعرضهم للقحط ، فقد بلغ سعر مدّ الذرة فى العام السابق لرحلتى نصف ريال إسبانى. على أنه يلوح أن البلاد كانت إلى عهد غير بعيد أزهى حضارة منها اليوم ، فقد تبينت فى الحقول آثار ترع عميقة تركت مهملة مع أنه قد يستعان بها حتى فى زرع السهل الصحراوى المجاور للأرض الزراعية. وأهم المحاصيل الذرة ، وهى قوام غذاء الناس والبهائم ، أما القمح فلا يزرع فى بربر ، وقليل منه يزرع فيما جاورها من بلاد. والذرة هنا من فصيلة الذرة الصعيدية ، ولكن سيقانها أطول وأقوى ، وقد تعلو ست عشرة قدما أو عشرين. أما الخضر فلا يزرعون منها سوى البصل واللوبيا والبامية (١) والملوخية ، وكلها معروف فى مصر. وهم لا يزرعون من الفاكهة شيئا ، والنبق البرى هو الفاكهة الوحيدة التى يعرفونها فيما رووه لى.
ويربى أهل بربر الماشية الكثيرة من خير الفصائل ، وينتجعون بها الكلا الذى ينمو فى جبال البشاريين شتاء وربيعا عقب هطول المطر ، وهناك يعيش رعاتها فى أكواخ وخيام كالبدو سواء بسواء. وفى أخريات الربيع تأكل الماشية الأعشاب البرية التى تنمو بين أعقاب الذرة غزيرة كأنها الحشيش فى المروج.
__________________
(*) واسمها الويكه فى هذه البلاد كلها.