فإذا جاء الصيف وجف العشب وعز الكلأ فى الجبل علفت فى البيوت بسيقان الذرة الجافة وأوراقها. وأبقار الرعاة وإبلهم هى عماد ثروتهم ، ويملكون فضلا عنها الغنم والماعز ، ولكن أكثره استهلك فى أثناء المجاعة. وأبقارهم متوسطة الحجم ضعيفة الجسم ، ولها قرون صغيرة وسنام من الشحم قرب الكتف. ولا تعرف هذه الفصيلة فى مصر ، وهى تبدأ فى دنقلة ولا ترى غيرها على ضفاف النيل حتى تبلغ سنار. وهذا السنام بعينه تلحظه فى الأبقار المرسومة فى صور المعارك الحربية على المعابد القديمة بصعيد مصر ، وقد رأيت هذه الفصيلة نفسها فى الحجاز. وهم يربون البقر للبنه ، وأهم من لبنه عندهم لحمه ، وقليل منه يستخدم لإدارة السواقى.
أما إبلهم فمن أنجب الفصائل ، بل إنها لتفضل إبل الصعيد المشهورة صلابة واحتمالا. وهجنهم تفوق ما رأيت فى صحارى الشام وبلاد العرب. ولإبلهم وبر قصير جدا ، وجسمها خلو من الخصل. ولا تختلف الهجن عن إبل الحمل فصيلة ، ولكن القوم هنا أحرص الناس على نقاء السلالة ، وإن العربى منهم ليتجشم السفر أياما كثيرة فى سبيل الوصول إلى بكر أصيل معروف يغشى ناقته. وقد تكاثر اليوم الطلب على الإبل للسوق المصرية ، ويبتاعها الباشا ليرسلها إلى شبه جزيرة العرب لتنقل ذخيرة الجيش ، ويسوقون منها كل شهر عبر الصحراء ثلاثمائة أو أربعمائة. ومع ذلك فثمن الجمل هنا لا يزيد على ثمانية ريالات إلى اثنى عشر ، وإن كان يباع فى دراو بثلاثين أو أربعين ، وفى القاهرة بخمسين أو ستين.
وأغنام هذه الأقطار الجنوبية لا صوف لها ، ولا يكسوها إلا شعر رقيق قصير كشعر الماعز ، لذلك لا يرى القوم لها نفعا يذكر ولا يربونها إلا للحومها. أما الحمير فتقتنى كل أسرة تقريبا منها اثنين ، وهى من فصيلة قوية ، وأهم ما تستخدم فيه حمل المحصول من الغيط ونقل السبخة من الجبل. وينشر الأهالى هذا الثرى المحتوى على النترات على الأرض قبل أن يزرعوها ، ولم أعرف غرضهم من ذلك ، أهو تسميد الأرض أم التخفيف من خصبها الشديد. والطلب كثير على الحمير المصرية لأنها أسرع من النوبية عدوا ، ويركبها وجوه القوم ، ويقبلون