على شرائها إقبالا شديدا كلما وصلت بلدهم فافلة ، أما الخيل هنا فموفورة العدد ، ولكل أسرة محترمة جواد على الأقل ، ومنها ما يملك جوادين أو ثلاثة. ولا يمتطى عرب النوبة غير الفحول ، ويستعين عرب الميرفاب فى حروبهم مع جيرانهم بالفرسان الكثيرين ، والفرسان هم الذين يقررون مصير المعركة فى الغالب ، وخيلهم من الفصيلة الدنقلاوية ، وهى من أعتق الخيل كما ذكرت فى رحلتى لدنقلة. وعليقها الذرة ، وتقدم لها أوراقها المجففة بديلا من التبن أو الدريس ، وهم يطلقونها أسابيع لترعى الشعير الأخضر فى الربيع. وثمن الحصان منها خمسة عشر ريالا إلى أربعين ، ولا يسمونه حصانا كالمصريين بل «حافرا». وهناك بعض الشبه بين سرج الفارس الأوربى وسرج الفارس البربرى (وهو بعينه السرج الذى تراه فى دنقلة وسنار والحبشة) فكلاهما له حنو عال فى مقدمته يميل إلى أمام على عنق الجواد. وقبل أن يخوض الفرسان غمار معركة يغطون ظهور الخيل وجوانبها وأعناقها وصدورها بقماش من صوف مبطن بالقطن السميك لا تنفذ فيه الرماح أو السيوف فيما يقال ، ويسمى «اللبس» ، وهو نفس الاسم الذى يطلقه البدو الشرقيون على أغطية خيلهم ، ولكن اللبس الذى يصنعه عرب الميرفاب يمتاز بالأناقة والخفة والمتانة.
وجل أهل بربر ـ وهم زراع كما قلت ـ يشتغلون بالتجارة حين يفرغون من زراعتهم ، لذلك أصبح بلدهم سوقا رئيسية لتجارة الجنوب ، وزاد من مكانته التجارية ضرورة مرور جميع القوافل القادمة من سنار وشندى ببربر فى طريقها إلى مصر. ولبربر نفسها تجارة مع مصر ، وكثير من القوافل الصغيرة تحمل بضاعتها وتشد رحالها منها دون انتظار بضاعة من أسواق الجنوب. وما من سلعة سودانية ـ بما فيها الرقيق ـ إلا استطعت شراءها فى بربر بزيادة ١٥% إلى ٢٠% على ثمنها فى شندى. ولبربر سوق عامة. ولكن العمل فيها تعطل مؤقتا ـ وقد وجدناه معطلا حين ألممنا بها ـ بسبب ما حل بالبلاد أخيرا من قحط ، وبفعل الجدرى الذى حصد أرواح الكثيرين.
والذرة والريال الإسبانى هما العملة السائدة فى بربر وسائر البلاد حتى سنار.