وتثمن السلع الرخيصة بالذرة ، وبكيلونها «بالسلقة» أو الحفنة ، وفى المدّ ثمانى عشرة سلقة أو حفنة ، وعيار السلقة هو ملء راحة الرجل إذا بسطها. ويستطيع القارىء من هذا أن يستنتج ما يحدث عادة بين البائع والمشترى من نزاع لاختلاف حجم أيديهما ، وفى مثل هذه الحالات يطلب إلى شخص ثالث أن يكيل الذرة بيده. وعشر مدّات من الذرة تساوى اليوم ريالا. وإذا أرادوا كيل كميه كبيرة من الذرة عبّروا سعة إناء من الخشب أو نحوه بالحفن أولا ثم استخدموه مكيالا. صحيح أن لهم مكاييل خشبية ، ولكنهم لا يثقون بها ويؤثرون عليها الكيل باليد. وهناك بديل آخر عن العملة غير الذرة ، وذلك هو الدمور ، وهو قماش قطنى خشن ينسج قرب سنار ، وأهل هذه البلاد يحيكون منه قمصانهم على الأخص ، و «ثوب» الدمور ـ كما يسمونه ـ يكفى قميصا للرجل منهم. وكان ثمن الثوبين وأنا ببربر ريالا. ويقسم الثوب «فردتين» ، تصلح الفردة منها فوطة طويلة يلفها العبد على خصره. وفى الفردة «فتقتان» ، ولا تنفع الفتقة إلا أداة للمقايضة ، وأذكر أننى اشتريت تبغا بفتقة منها. على أن القوم يؤثرون الذرة أداة للبيع والشراء. لأن البائع قد لا يأخذ الدمور بثمنه الحقيقى فى السوق ، وهو ثمن يتقلب كلما وصلت من الجنوب قافلة جديدة. وثمن الرقيق أو الإبل أو الخيل أو سواها من السلع الغالية يدفع ريالات أو أثواب دمور ، ولكن الوسيط يقتضى عمولته ذرة لا يلبث أن يحولها ريالات. وللريالات أسماؤها فى محيط التجارة ، ف «القسمة» ريالان ، و «المثقال» أربعة ، و «نصف الأوقية» ثمانية ، و «الأوقية» ستة عشر ، وهى أسماء منقولة فى الأصل عن عيارات الذهب ، لأن أوقية الذهب تساوى عادة ستة عشر ريالا ، ولكن هذه الأسماء أصبحت اليوم ثابثة وإن تغيرت قيمة الذهب ، فالستة عشر ريالا تسمى أوقية وإن كانت أوقية الذهب تساوى ثمانية عشر ريالا أو عشرين ، وتلك كانت قيمتها فعلا يوم كنت فى بربر.
ويتعامل الناس فى كردفان بعملة أخرى فضلا عن الذرة والدخن ، ألا وهى القطع الصغيرة من الحديد يصنعون منها الرماح والمدى والبلط وما إليها. كذلك يتعاملون فى صفقاتهم الكبيرة بالأبقار فتراها دائمة الانتقال من يد لأخرى.