أنهما كانا معى فى غاية التلطف والأدب حين زرتهما. وأنفقت اليوم كله وبعض الغد فى مفاوضات مع الحاكم للحصول على خبير يصحبنى للجنوب. وكانت الهدية التى قدمتها له ، وهى صابون (١) وبن وطربوشان أحمران (وكلها تساوى نحو ستين قرشا) ، خليقة بالقبول لو قدمت فى وقت آخر ، ولكن الهدايا التى قدمها إليه مستر لى ومستر سملت بلغ ثمنها نحو ألف قرش ، مع أنهما لم يتجاوزا فى رحلتهما إبريم. قال لى الحاكم «وها أنت تعطينى أشياء تافهة مع أنك تريد أن تتجاوزهما إلى الشلال الثانى». قلت صحيح أن هديتى لا تناسب مكانته ، ولا توفيه حقه ، ولكنها فى الواقع فوق طاقتى ، وأننى كنت إخالنى مميزا على صاحبى بما أحمل من خطابات توصية من حاكم إسنا. وأخيرا بلغت منه ما أريد بفضل مصادفة من المصادفات الطيبة ، فقد نمى إلى أن قافلة كبرى قامت من المحس فاصدة إسنا ، وأن جانبا كبيرا من السلع التى تحملها ملك لكاشف نفسه ، ينوى بيعه بأسيوط والقاهرة. فذهبت إليه ، وخلوت به ، وقلت له إننى لو عدت لإسنا وعلم واليها بما لقى خطابه الذى زودنى به من إغفال تجلى فى منعى من تجاوز الشلال الثانى مع أنه طلب السماح لى بذلك صراحة ، لوجد فى هذا مسوغا لفرض غرامة على القافلة حين وصولها إلى إسنا ، أو لمنعها من المضى إلى أسيوط. ووجم كاشف طويلا ثم قال لى «مهما تكن هويتك ، وسواء أكنت إنجليزيا كصاحبيك اللذين سبقاك أم جاسوسا للباشا ، فلن أردك خائبا. فامض فى رحلتك إن شئت ، ولكنك لن تكون فى مأمن بعد تجاوزك سكوت. فلتكن هذه البلدة نهاية رحلتك ومنها تعود». فطلبت إليه أن يزودنى بخطاب توصية لسكوت ، ففعل دون تردد. كذلك جاءونى بخبير من البدو. واشتريت زادا لرحلتى من الذرة والتمر ، وغادرت الدر قبيل ظهر ٢ مارس ، بعد أن فشلت محاولات المملوكين لعرقلة سفرى. ويجدر بى قبل أن أمضى فى وصف رحلتى أن أقف هنيهة لأصف فى شىء من التفصيل الأهالى والنواحى التى اجتزتها حتى الآن منذ قمت من أسوان.
__________________
(*) الصابون هدية يقدرها الناس تقديرا كبيرا فى جميع هذه النواحى ، لأنه لا يصنع بمصر ، ما خلا نوعا رديئا جدا تصنعه أسيوط. وهو يستورد من الشام ، وعلى الأخص فلسطين. ويساوى رطل الصابون فى إسنا شلنا ونصفا.