وتقوم وادى عشرا على مسيرة تسع ساعات ، ووادى ديوان على تسع ونصف ، والدر على عشر ونصف. والدر أهم بلد بين مصر ودنقلة ، ولست أذكر أننى رأيت حقولا تلقى الزراعة فيها من العناية ما تلقى الحقول بين كرسكو والدر. كذلك لاحظت أن بيوت الفلاحين هنا أوسع وأنظف من بيوت الفلاحين المصريين.
أول مارس ـ وصلت الدر بعد الغروب ، وأنخت بعيرى عند دار حسن كاشف حيث ينزل وجوه المسافرين ، وحيث نزل الأميران المملوكان اللذان أشرت إليهما آنفا. ولما كان الحاكم قد خلا إلى جناح الحريم ، فإننى لم أذهب لأراه ، بل مضيت إلى فراشى بعد أن أبيت إشباع فضول قومه ، وفضول خدم الأميرين ، الذين أمطرونى وابلا من الأسئلة. ولكن ما أصبح الصبح حتى فاجأنى حسن قبل أن أستيقظ ، وأقبل إلى فناء الدار حيث قضيت ليلتى ، بعد أن زار الأميرين. ثم سألنى عن غرضى من رحلتى ، وهل أنا تاجر أو رسول موفد إليه من والى مصر. وكان فى نيتى قبل أن أعلم بوصول الأميرين أن أزعم أننى موفد من الباشا فى مهمة سرية للنوبة ، لأننى علمت من أهل الصعيد أن أمراء النوبة يخشون بأس محمد على ، فهم لا يجرؤون إذن على مسّى بسوء. ولكنى حين علمت بوصول المملوكين ـ وكان حديثى مع الفلاحين الذين بت فى بيوتهم فى أثناء رحلتى إلى الدر قد أقنعنى بأن الأمراء النوبيين يرهبون المماليك جيرانهم فى الجنوب كما يرهبون جارهم فى الشمال ـ حين علمت هذا رأيت أن من الخطر علىّ أن أخفى غرضى الحقيقى من رحلتى. أما وقد شجعنى مالقى مستر لى ومستر سملت من توفيق فى رحلتهما ، فقد صارحت حسن كاشف بأننى إنما جئت النوبة سائحا كما جاءها السيدان اللذان سبقانى إلى الدر ، وقدمت إليه فى الوقت نفسه خطابات التوصية التى أحملها. ولكن صراحتى لم تغننى فتيلا ، فقد حمل هذا الإفصاح عن نواياى على محمل الخديعة والغش ، وأبى الجميع أن يصدقوا أننى سائح قدمت بلدهم للفرجة فحسب. وكان فى إلمامى بالعربية ، وخبرتى بالعادات التركية ، ما حمل كاشفا على الاعتقاد بأننى تركى ، وأننى مبعوث حسن بك والى إسنا للتجسس عليه. وقد زاد فى سوء ظن كاشف بى تحريض المملوكين له ، مع