إلى محمد على باشا وهو بالحجاز. وأكرهت العروس المسكينة على الزواج بأحد قتلة زوجها ، وأتى الرجل بها إلى مصر ، ولكنها استطاعت بعد ذلك أن تهرب إلى دنقلة ، وهى اليوم تعيش بين أسرتها بمقرات. على أن المصير الذى انتهى إليه نعيم لم يمنع قاطع طريق آخر من أن يعيد سيرته فى هذه الجبال ، واسم الرجل كرار ، وهو شيخ العبابدة من قبيلة العشاباب. وقد نهب عدة قوافل جلها من بربر سنة ١٨١٤ وعاد بما غنم إلى خيامه فى جبال عتباى ، وحاول الباشا غير مرة أن يقبض عليه دون جدوى.
وليس هناك اليوم إلا أقل اتصال بين بربر ومقرات ، وهى نتيجة يستطيع القارىء أن يخلص إليها ، وكذلك بين بربر وبلاد الشايقية وهى أبعد من مقرات ، اللهم إلا بواسطة الحجاج السودانيين الذين يسيرون بحذاء ضفاف النيل الآهلة بالسكان فى طريقهم إلى مصر ، فالحرب المستعرة بين الشايقية والمماليك فى دنقلة تضر بسير التجارة. وقد خاض الفريقان عددا من المعارك راح ضحيتها مائة وخمسون من الشايقية وخمسون من المماليك ، وغنم المماليك بعض الخيل والعبيد ، ولكنهم سحبوا قواتهم من الحدود الجنوبية لدنقلة بعد أن أعياهم قهر عدوهم وأضنتهم هذه الحرب العقيمة المزعجة ، ثم ركزوا هذه القوات فى الولايات الشمالية حول أرقو حيث يقيمون إلى اليوم. وقد مات أكبر زعمائهم إبراهيم بك الكبير بالشيخوخة عام ١٨١٣ ، ويعتبر عبد الرحمن بك المنفوخ زعيمهم اليوم. وقد وفد من مصر عدد من المماليك اتخذوا طريق الصحراء إلى بربر بدل أن يذهبوا إلى دنقلة ، ونزل البيت الذى نزلنا سليم بك الطويل فأقام به شهورا ، وأظهر له مك بربر منتهى اللطف والكرم خوفا من بطش المماليك. وقد خالنى بعضهم فى بربر تابعا من أتباع المماليك هربت من مصر لألحق بهم. وكنت أكره أن يتناقل القوم عنى هذه الشائعة ، ولكنها كانت خيرا من أن يظنوا أنى أنتمى لأسرة الباشا أو لجيشه ؛ فقد توجس الناس شرا من إرساله مبعوثا إلى سنار وظنوه يضمر لهذه البلاد سوءا. وكان رؤساء القبائل ينظرون إلى سلطته المتزايدة على مصر نظرات الغيرة والحسد ،