وأفتى فقيه من فقهائهم بأن جسده لا يمتنع على العيارات الفضية لأن تمائمه لا تقيه إلا من عيارات الرصاص ، فصهر نفر من التجار ريالات إسبانية وصبوا منها عيارات عبأوا بها بنادقهم. أما تمائم نعيم التى حمته من رصاص أعدائه فلم تكن فى حقيقتها سوى بعدهم عن الهدف وضعفهم فى الرماية. وكان إذا رأى القافلة أكثر منه نفرا وأقوى بأسا وقف بعيدا وأمر جماعة منها أن ينسلخوا عن بقية القافلة مؤكدا لهم أنه لا يقصد بهم سوءا ، فإذا انفصلوا عنها استطاع أن يشتت شمل الباقين فى غير عناء. وكان يوفى بوعده للمنفصلين عن القافلة ويتركهم يمضون بجمالهم المحملة دون أن يلحق بهم أذى ، ولكن هذا لا يمنعه من مهاجمتهم فيمن يهاجم فى ظروف أخرى. ويعدّ نجاح هذه الخدعة أقوى دليل على جبن التجار وغدرهم لأنهم يتخلون عن رفاقهم على هذا النحو المشين ؛ ولو أن قبيلة من قبائل الصحارى العربية سلكت هذا المسلك لو صمها بعار لا يمحى.
ولم يقس نعيم على ضحاياه العاجزين قسوة غيره من قطاع الطرق الإفريقيين. فكان إذا سلب قافلة سمح للركب أن يأخذوا من الإبل والزاد ما يكفيهم لبلوغ مصر أو العودة إلى بربر. وكان يعرف معظم التجار معرفة شخصية ، لذلك كان يرد للتاجر منهم عبدا أو عبدين عند رحيله. وقد أحفظ عليه قبيلة العبابدة وحملها على الثأر منه قتله عددا منهم فى غارة من غاراته ، ولم يمض طويل وقت حتى واتتهم فرصة الانتقام. ذلك أن مئات منهم كانوا يحرسون قافلة بارحت سنار إلى مصر سنة ١٨١٢ فى صحبة رسل الباشا ، وأقاموا ببربر أياما ليعدوا العدة للرحلة عبر الصحراء. وتلقى رئيس العبابدة فى هذه الأثناء نبأ سريا مفاده أن نعيما قد اتخذ لنفسه عروسا جديدة وأنه سيدخل بها فى يوم معلوم. وفى اليوم السابق للعرس صدر الأمر للقافلة بمبارحة بربر ، وكان الرئيس قد سار فى الليلة البارحة على رأس مائة راكب مسلح محتجا بأنه يقسم بذلك الجمال تسهيلا لمهمة سقيها من عيون شقرة. ولكنه ما إن مضى فى الصحراء قليلا حتى عدل عن الطريق المستقيم إلى آخر مغرب ، وانطلق حثيثا يعبر الجبال إلى مقرات. فلما وصل إلى بيت نعيم حاصره وأشعل النار فيه ، وخرج إليه نعيم فقتل فى ستة من أصحابه ، وحملت عروسه لمصر وأرسلت أذناه