وأخيرا آن لنا أن نرحل إلى شندى ، وإليها كان يقصد معظم التجار ببضاعتهم ، فجمعنا فيما بيننا عطاء لإدريس رب البيت ، ولكننا لم نستطع إرضاءه بسهولة ، ناهيك بمطالب زوجه العجوز. وبعد لأى ارتضى أن يأخذ بضاعة تساوى عشرين ريالا لقاء تضييفه إيانا أسبوعين. وكنا اثنى عشر رجلا ، ولكنى لست أشك أن ما كان ينفقه علينا يوميا لم يزد على ثلث الريال أو نصفه ، فإن الرجل لم يقدم لنا ـ فيما خلا الشاة التى ذبحها لنا أول يوم ـ سوى لون واحد من الطعام هو خبز الذرة بالسمن نأكل منه صحنا كبيرا فى الظهيرة ومثله فى الليل. وكان رب البيت هو المتكفل بإطعامنا لأننا لم نكن إلا عابرين بالبلدة لا نصحب معنا عبيدا ولا جوارى لتجهيز الطعام ، أما حين يعود التجار إلى بربر فى طريقهم لمصر مصحوبين فى العادة بعدد من الجوارى ، فإن هؤلاء الجوارى يطهين طعام سادتهن ، فلا يدفعون لرب البيت إلا أجره عن السكنى.
وما ذكرته من تفاصيل عن بربر يصدق جله على شندى وعلى سائر الإمارات الصغيرة حتى بلوغك سنار فيما أعلم.
والأرض الواقعة تجاه بربر على ضفة النيل الغربية أرض غير مزروعة ، ولكنهم ذكروا لى أن السائر بحذاء النيل يصادف عددا لا بأس به من قرى العرب لا سيما فى بلاد مقرات التى ينزلها عرب الرباطاب ـ وهم قبيلة مستقلة كقبيلة الميرفاب ، تمتد مساكنها مسيرة يومين أو ثلاثة على النيل. ومن أكبر قراها بجم وتقع على ثلاث مراحل طوال من بربر ، وهى اليوم مقر أبو حجل شيخ عرب مقرات الذى خلف قريبه نعيما قاطع الطريق الشهير السالف. ذكره وكان نعيم قد جمع ثروة طائلة مما غنمه من القوافل المصرية ، وقد أنفق جلها فى شراء الجوارى الصغيرات ، وكان يطيب له المفاخرة بما يلهو ويعبث به فى حريمه. ودرج على أن يتربص بالقوافل بين بربر وآبار النجيم ، ولكنه كان أحيانا يتعقبها إلى شقرة. وكثيرا ما أطلقت عليه النار ، ولكنها لم تصب منه مقتلا لأن درعه القوية كانت تقيه من رصاص البنادق البعيدة ، وهذا هو السر فى اشتهاره بالسحر. فقد زعم القوم أنه يحمل من التمائم والتعاويذ ما يعصمه من الإصابة.