بيوميتى فى يدى ، وقد وجدت تدوين المذكرات بالصحراء أيسر لى من تدوينها وأنا ببربر ، وكنت أسوق حمارى القوى حثيثا فاسبق القافلة ثم أنزل عنه وأجلس إلى شجرة أو صخرة وأظل تحتها غير ملحوظ ، لا يبدو على إلا أننى أدخن قصبتى ، حتى تلحق بى القافلة. أما فى بربر وشندى فكنت أحار فى طريقة أعتزل بها أصحابى الذين نزلت الدار وإياهم ، وكان فى انطلاقى إلى الحقول البعيدة تعرض للخطر ولفت للنظر. وشر ما ابتليت به أثناء مقامى فى هذه البلاد ملازمة الناس لى على هذا النحو ، ولعلى كنت أستطيع أن أنجو من هذا البلاء بعض النجاة لو اتخذت لنفسى مسكنا خاصا ، وكان ذلك أحبّ إلى وأشهى لو لا أن مقامى فى بيت غريب كان يحرمنى من كل حماية ـ وقد يكون هذا الغريب شرا من رفاقى ـ ولو لا ما كنت أستهدف له من ثقل الزوار يرهقوننى سحابة يومى بطلب الهدايا ، ولو لا ما كان يتعرض له متاعى القليل من السرقة. وعلى نقيض ذلك كان شخصى أقل لفتا للنظر وأنا أقيم مع أصحابى الدراويين ، وكانت نفقتى أخف ، واستطعت بفضل مقامى بينهم أن ألم بأساليب التجارة ، وأمنت على نفسى بعض الأمن لمكانة هؤلاء الرفاق وجاههم برغم قلة حدبهم علىّ أو ميلهم إلى حمايتى.
ويؤثر التجار النزول ببيت وجيه من وجوه القوم ، أو بيت قريب من أقرباء المك إذا تيسر ، لأنهم يكونون إذ ذاك فى حمى رب البيت ، وهو لن يرضى بأن توجه لضيوفه إساءة أو إهانة ذات بال. أما أدلاؤنا العبابدة فقد نزلوا ببيت فقير من الفقراء رقيق الحال ، وكانوا فى مأمن من لجاجة الميرفاب وإهاناتهم ، لذلك توفر لهم فى مسكنهم هذا من أسباب الراحة والحرية ما لم نظفر به نحن. وألزمنى أصحابى بدفع ريالين كانا حصتى فيما دفعوه لرب البيت ، كذلك دفعت لهم ريالا هو نصيبى فى الهدايا التى قدموها لمن بعثوا لنا بصحاف اللحم فى أوقات مختلفة. واشتريت بريال ذرة لحمارى وبعض التبغ. يضاف إلى هذا أربعة ريالات أديتها لمك بربر ، وثلاثة لرئيس القافلة ـ وكان من حقه أن يقتضينى خمسة ـ وخمسة لنقل بضاعتى ، وأربعة لنقل قربى فى الصحراء. وكان فى جسامة هذا المبلغ بالقياس إلى مواردى إذ ذاك ما جعلنى أتوجس خيفة من المستقبل.