رجل من مصر قيل إنه نصرانى لأنه كان يدون المذكرات عن رحلته (١). وروى أن الرجل أهدى مك بربر هدايا سخية ، فأوصى به جماعة صغيرة من البشاريين توصية معزّزة مشدّدة ، وخرج صاحبنا إلى سواكن فى صحبتهم ، ولكنهم فتكوا به فى الطريق ، ولما عادوا إلى بربر صالحوا المك بهدية صغيرة.
وسمعت بعد ذلك بقصة مسافر كان يجهر بنصرانيته ولا يكاد يتكلم العربية ، مر بسنار قبل ثمانى سنين أو عشر قادما من الشمال ـ ولعله قدم من مصر ـ فقتله العرب فى الجبال الواقعة بين سنار والحبشة لا فى طريق القوافل. ولما كنت فى شندى استفسرت عنه فلم ينبئنى بنبئه أحد. ولو كان مجيئه بطريق القوافل الغربى القادم من دارفور وكردفان لأنبأونى بخبره ، لأن البيض ـ والرجل أبيض فيما روى ـ يسترعون الالتفات فى هذه الأرجاء عنهم فى الطريق القادم من مصر ، ولرآه بعض القادمين من كردفان ، وقد عرفت منهم كثيرين فى شندى ، ولم أسمع أنه كان يكتب يومية عن رحلته.
إن ما يصيبه المسافر فى هذه الأصقاع من توفيق جله بل كله رهن بأدلائه ورفاقه فى الرحلة وما يضمرون له من نوايا طيبة. فإذا لم يكن خبيرا بلغة البلاد تعذر عليه اختيار أصلح الأدلاء أو الرفاق ، وتعذر عليه تجنب الفخاخ التى يوقعه فيها غدر القوم ولؤمهم. ولن يغنيه فتيلا أن يركن للحظ لعله يقيض له قوما أمناء طيبين ، إذ قل أن تجود هذه البلاد بنفر من هؤلاء يحسب لهم حساب فى رحلة الغريب بين أرجائها ، ولا بد للمسافر أن يسىء الظن بمن حوله ، وليحسب نفسه سعيدا إذا وفق إلى الكشف عن نفر بينهم يمكنه أن يثق بهم ويطمئن إليهم بعض الاطمئنان ويستعين بهم على بلوغ أهدافه ، وهو ما لا سبيل إليه إلا بالتوفيق بين مصالحهم وسلامته. وليحذر أول ما يحذر أن بروه يدوّن المذكرات ، وإنى لعلى يقين من أننى كنت أستهدف لأخبث الشائعات وأضرها ، وأن ما أرجو من نجاح كان مقضيا عليه القضاء المبرم ، لو أن رفاقى ضبطونى متلبسا
__________________
(*) أو «يكتب البلاد» كما يصف القوم هنا وفى مصر السائح الذى يدون الذكرات عن رحلته.