بعد أن سوينا حساباتنا كلها فى بربر بارحناها عصر السابع من إبريل وقد تناقص عدد الركب إلى الثلثين ؛ فقد عاد بعض التجار إلى مصر ، وظل بعضهم ببربر ليبيعوا بضاعتهم ، كذلك بقى بها بعض العبابدة ـ ممن كانت لهم بها أسر ـ ينتظرون رجوع القافلة من شندى. وتركت بربر غير آسف ، فإن خلق أهلها بعث الريبة فى نفسى ، وأشار على كثير من وجوه البلدة أن أمكث بها مترقبا فرصة الخروج مع قافلة من قوافل التاكة ، ولكننى قلت فى نفسى إننى إذا بقيت ببربر وحيدا كنت تحت رحمة الميرفاب وهم ينوون سرقتى ما فى ذلك شك ، لذلك صح عزمى على متابعة الرحلة إلى شندى لعلى أظفر هناك بقافلة مأمونة أصحبها إلى البحر الأحمر.
وسرنا هذا المساء ميلين فى الرمال ثم وقفنا بقرية قوز الفونج من أعمال بربر ، ونزلنا فى فناء بيت فقير من فقرائهم ـ وكان تاجرا معروفا بمصر ـ فأكرم الرجل مثوانا ولم يطلب على ضيافتنا أجرا. وقد ألف هذا الفقير كلما زار مصر أن ينزل على معارفه بدراو ضيفا لا يؤدى عن إقامتة أجرا. وأتى مضيفنا السابق إدريس مودعا فى الليل ، وألح فى طلب المزيد من الهدايا. وطال الأخذ والرد بينه وبين القوم ، واستطاع بعد لأى أن يظفر من تجار دراو بدرقة فاخرة تساوى ثمانية ريالات ، واضطررنا أن نسهم كلنا فى جمع هذا المبلغ لنسترد منه الدرقة.
٨ إبريل ـ فى القوز أطلال مبان حديثة أصبحت اليوم خرابا يبابا ، وكانت القرية فيما مضى أهم قرى بربر ، وكذلك ذكرها الرحالة بروس. وفى مواضع عدة منها آبار عامة ماؤها ملح يسقى منها المسافرون دوابهم لأن شطئان النهر قائمة وعرة والهبوط إلى الماء عسير. ومضينا محاذين لحافة الصحراء فوق سهل مستو أو أرض زراعية عرضها ميلان تقوم بيننا وبين النيل. وكانت الأرض زاخرة بشجر العشر الذى ذكرته مرارا فى رحلتى على ضفاف النيل إلى دنقلة وفى رحلتى السابقة فى البطراء. وكنا نسلك دربا مطروقا هو أشبه بالطريق الرئيسى تتشعب منه الدروب الصغيرة فى كل أنحاء الصحراء الشرقية. وبعد ساعتين وصلنا بقعة تحفل بشجر