السنط والسلم. أما الأرض على ضفة النيل الغربية فقد بدت لى شديدة الاستواء على مرمى بصرى ، فلم أر بها جبالا ولا تلالا ، وكل ما رأيته خط أبيض يتبينه الرائى وراء شريط الأرض الزراعية الضيق المحاذى للنهر ، وهذا الخط يشير إلى رمال الصحراء. وصادفنا فى طريقنا كثيرا من المسافرين يركبون الخيل أو الهجن ونساء وأطفالا على ظهور الحمير أو خلفها يسوقونها محملة. ويبدو أن هذا الطريق مأمون جدا لا خطر فيه على أهل البلاد ، ولكن الغريب لا يطمئن إلى السير فيه دون دليل أمين. وكنا قد أخذنا من النخيرة رجلين يصحباننا إلى حدود وادى بربر.
وبعد ثلاث ساعات ونصف دخلنا إقليم راس الوادى ، وبعد أربع وصلنا قرية راس الوادى ، واضطررنا أن نقف بها لنؤدى ضريبة مرور يفرضونها هناك على التجار. وراس الوادى قرية كبيرة تفوق النخيرة مساحة ولكنها دونها فى مبانيها ، وفيها أكواخ كثيرة من الحصير. ومضينا رأسا إلى بيت المك وحططنا على الأرض الفضاء أمامه. هذا المك ـ ويسمونه المك حمزة ـ هو ابن عم المك نور الدين فى بربر ، ولكنه مستقل عنه لأن راس الوادى إمارة قائمة بذاتها وإن كان جل أهلها فى ظنى من عرب الميرفاب قبيلة أهل بربر. على أنها كبربر تتبع مك سنار وهو الذى يولى ملكها. ويخشى المسافرون ـ ولا سيما المصريون منهم ـ بأس حمزة. وقد ظن التجار الدراويون أن الرجل قد يسىء إليهم بسببى ، وكانوا إلى ذلك مقتنعين بأنه لم يعد لهم فى صحبتى نفع ولا مغنم لأننى كنت أدفعهم عن كل حفنة من الذرة يريدون غصبها منى ، لذلك صح عزمهم على التخلى عنى ونبذى نبذ النواة. وكنا قد وقفنا دقائق فى السهل على مقربة من بركة ماء أمام القرية ، فما إن هممنا بمعاودة السير حتى أمرونى فى لهجة ملؤها الازدراء أن أنصرف عنهم ونهونى أن أقرب جماعتهم بعد ذلك. وأردف غلمانهم هذا الأمر بانتهارى كما تنتهر الكلاب ، ثم ضربوا حمارى بمؤخر رماحهم وطاردوه إلى الصحراء.
وكنت طوال الرحلة أحاول جهدى أن أكون على صلة طيبة برفاقى العبابدة ، وكانوا على لؤمهم خيرا من الدراويين. فمضيت الآن إليهم أسألهم هل ينوون تركى تحت رحمة لصوص الميرفاب أو يسمحون لى بالانضمام إلى جماعتهم؟ فارتضوا من فورهم