وكانت تخيم على مقربة من راس الوادى جماعة كبيرة من البشاريين أتوا ليبتاعوا زادهم من الذرة للصيف. وعلمت أن أخا المك حمزة ذهب مؤخرا إلى سواكن فى طريقه إلى شبه جزيرة العرب ، وصحب معه عددا من الرقيق والخيل العتاق ليهديها إلى الشريف حمودة أمير اليمن أملا فى الظفر ببعض الهدايا المناسبة بطبيعة الحال. وهذا الضرب من التجارة شائع فى هذه البلاد.
وقد رأيت بعض هجن المك حمزة فإذا هى من صفوة الهجن ، وكانت على لجمها ورجالها زينة براقة ، ويقتنى كل شيخ من شيوخ القبائل هنا هجينين من خير الفصائل يظهر بهما أمام الناس ليسترعى الأنظار ، ويركبهما عبدان من عبيده ويسيران فى ركابه أنى سار.
وبارحنا راس الوادى فى الضحى يصحبنا رجلان من أسرة المك إلى حدود أملاكه وكان شطر من الطريق رمالا جرداء ، وفى شطر آخر منه تفرقت أشجار السنط. وبعد ساعتين مررنا بعدد من النزلات فيها الكثير من شجر الدوم وإلى جوارها جزيرة كبيرة ظهرت فى عرض النهر. ويقال إن أهل هذه النزلات من أعرق اللصوص ، ولعل هذا هو الذى حمل دليلينا على أن يقفا بنا هنا ويطالبانا بعشرة ريالات أجرا لاصطحابهما إيانا حتى هذه البقعة ، ولم ير التجار مفرا من الإذعان فدفعوا الأتاوة وأنفهم راغم. وكان الركب قد تناقص حتى بلغ العشرين ، فقد انسلخ عن جماعتنا بعض صغار التجار تفاديا لدفع ضريبة المرور وسبقونا عابرين الصحراء ليلا شرقى راس الوادى ، كذلك استأجر غير هؤلاء ممن لا جمال لهم خبيرا من القوز صحبهم ليلا فى طريق خطر بحذاء ضفة النهر ثم انضموا إلينا ثانية بعد أن جازوا أملاك المك حمزه.
وعلى مقربة من النزلات أبصرنا عددا هائلا من شواهد القبور الجديدة التى تنطق بما حلّ بالبلاد من غارات الجدرى المدمرة ، وكان كل قبر مغطى بالحصى الأبيض وقطع المرو جريا على عادة النوبيين ، وهى العادة التى لحظتها من قبل فى بلاد البرابرة. وسهل الصحراء الشرقية تقطعه هنا بعض التلال من الرمل والحصباء. ومررنا بأحراج من السنط ، ثم وصلنا بعد أربع ساعات إلى نهر مقرن لا مارب كما يسميه