يروس ، فاسم مارب لا يعرفه القوم هنا ، وهبطنا جرفا عاليا ثم سرنا زهاء الميل فوق رمال عميقة كست قاع النهر حتى جئنا بركة من الماء الآسن عرضها نحو عشرين خطوة وماؤها يصل إلى خلخال القدم ، وأمثال هذه البركة كثير فى عرض النهر ولكن الماء فيها كلها راكد لا يجرى. وقدرت علو الشاطئين بثلاثين قدما ، أما ارتفاع الماء عن القاع فقد دل أثره على أنه لا يزيد على عشرين قدما ، وواضح من هذا أن النهر لا يمكن أن يفيض على جانبيه ويغمر الأرض المحيطة به ، وقد أيد لى هذا أصحابى فقالوا إنهم فى أثناء فيضان النهر يعبرونه فى قارب يجلب من الدامر لهذا الغرض ، وإنهم لم يروا هذه الأرض مغمورة من قبل بماء نهر سوى نهر النيل. وكان منظر ضفاف مقرن الخضراء تكسوها الأعشاب اليانعة وشجيرات الطرفاء الخضراء منظرا بهيا رائعا أجلت فيه الطرف ساعة كاملة ، وكنت فى انتظار الركب الذى تعطل حين تعثرت بعض الإبل وهى تهبط جرف النهر القائم وسقطت عنها أحمالها.
ونهر مقرن هو الحد بين إقليم راس الوادى والدامر. ورأينا السواقى على ضفافه الجنوبية ترفع الماء من البرك. ودلنا ترتيب الحقول هنا ونظامها ، ووجود المساقى الصغيرة ، على أن الزراعة تلقى من العناية قسطا لا تلقاه فى الأقاليم التى جزناها من قبل. ويسكن العرب من بدو الجعليين ضفاف مقرن فى مساحة تقطعها فى يومين بعد التقائه بالنيل ، وهم مستقلون استقلالا تاما وعشائرهم منبثة فى هذه الأرجاء حتى بلوغك سنار. وهم أقوى القبائل العربية هنا شوكة وأشدها بأسا ، ويزرعون الذرة على ضفاف النهر ويرعون الماشية الكثيرة.
وبعد أن عبرنا مقرن سرنا فوق سهل رملى قاجل تكسوه أشجار العشر التى بلغ ارتفاع بعضها عشرين قدما ، ثم دخلنا الأرض الزراعية ثانية ، وهنا قابلنا شيوخا من الدامر أرسلتهم إلينا طلائعنا ليحرسونا من لصوص الجعليين الذين كان بعض فرسانهم يحومون حولنا لشر يبيتونه بلا ريب. ودخلنا الدامر فى الأصيل بعد مسيرة ست ساعات ، والدامر بلد ذو صيت ذائع فى هذه الأقطار ، وقد أثلج صدرى أن أرى أهله أنبل من جيرانهم أهل بربر ، ومضيت مع جماعة