العبابدة التى انضمت إليها إلى المنزل الذى نزلوا ، وكان بيت تاجر دنقلى من قدامى أصحابهم ، وكان الرجل غائبا عن داره ، ولكن زوجه رحبت بمقدمنا أيما ترحيب ، ونظفت لنا فى الحوش غرفتين أودعنا فيهما بضاعتنا ومتاعنا. والتقينا بتجار من كردفان كانوا قد قدموا من دنقلة حديثا بطريق شندى ، فأتونا بآخر أخبار المماليك.
الدامر من ١٠ ـ ١٥ أبريل ـ الدامر قرية ، أو بلدة (١) كبيرة قوامها خمسمائة بيت. وهى نظيفة تفضل فى شكلها بربر لما فيها من مبان جديدة ولخلوها من الخرائب. وفى بيوتها شىء من التنسيق ، وشوارعها منتظمة ، وتنمو فى كثير من أرجائها الأشجار الوارفة الظلال. ويسكنها عرب من عشيرة آل المجذوب ، ويردون أصلهم إلى شبه جزيرة العرب ، وجلهم من رجال الدين أو الفقراء. وليس لهم شيخ يتزعمهم ، بل فقيه يسمونه «الفقى الكبير» ، وهو الرئيس الفعلى والقاضى الذى يفصل فى خصوماتهم. ويشتهر آل المجذوب الذين أصبح هذا المنصب وقفا عليهم من قديم بما تنجب عشيرتهم من سحرة وعرافين مهرة لا يحجب عنهم غيب ولا تقاوم لهم تميمة. ويروون عن سحرهم القصص التى لا حصر لها ، من ذلك أن أبا الفقيه الحالى ـ وكان اسمه عبد الله ـ جعل شاة تثغو فى بطن اللص الذى سرقها وأكلها. ويحتكم القوم إلى الفقيه فى سرقاتهم ، وليس عسيرا عليه أن يأتى بالعجب العجاب فى الكشف عن سر هذه السرقات لخوفهم من علمه الواسع الذى يخترق الحجب كما يزعمون. ويخيل إلى أن وظيفة الفقى الكبير وراثية ، ولا بد أن يتوافر فيمن يليها بطبيعة الحال الذكاء ورجاحة العقل والتفقه فى الشريعة لأن هذه كلها من مقومات وظيفته. على أن الفقى الكبير ليس ساحرهم الأوحد ، فغيره من الفقهاء الأقل شهرة كثيرون ممن يؤمن الناس بهم على قدر تقواهم وعلمهم ، وهكذا اكتسبت بلدة الدامر بأسرها صيتا ذائعا. وفى البلدة مدارس عدة يؤمها الطلاب من دارفور وسنار وكردفان وغيرها من أنحاء السودان ليدرسوا الفقه دراسة تتيح لهم أن يكونوا فى بلادهم فقهاء كبارا.
__________________
(*) لا يفرّق أهل البلاد هنا بين القرى والمدن. فكل مكان مأهول يسمونه بلدا ، فإذا كان صغيرا فهو نزلة. أما لفظ المدينة فلا يستعمل قط فى هذا الشطر من السودان.