يجرؤ على تسديد بندقيته بسندها إلى كتفه. على أن مرأى البندقية يكفى عادة لإرهاب العدو ، وهذا هو المطلوب ، فغاية ما يرجوه الفريقان المتناوشان أن تنتهى المعركة دون أن يراق من الدم إلا أقله ، ولا غرو فإن لناموس الثأربين هؤلاء العرب سلطانا عظيما. وقد عرا بعض بنادق المك نمر من التكسر أو الصدأ ما أتلفها ، ولكنهم لم يجدوا من يقوم بتنظيفها وإصلاحها. فلما رأونى مرة أنظف بندقيتى حسبونى على دراية بهذه الصناعة ، واقترحوا علىّ جادين أن ألتحق بخدمة المك صانعا لأسلحته ، وعرض علىّ المك عبدا وجاريتين وما شئت من ذرة لإطعامهم ، ولم أستطع أن أقنع رسله بجهلى هذه الصناعة إلا بشق النفس. وعلى المسافرين فى هذه الأقطار أن يتجنبوا الإعلان عن درايتهم ولو بأتفة الأشياء التى قد يفيد منها الملوك أو يستمتعون بها ، وإلا أكرهوهم على خدمتهم. ولما يئس المك من حملى على البقاء أراد على الأقل أن يستولى على بندقيتى ، فأرسل فى طلبها وحجزها عنده أياما ، وألححت أنا فى طلب ردها ، فبعث إلىّ بأربعة ريالات إسبانية ، وأمر عبيده أن يقدموا إلى من مطبخه الخاص عدة صحاف من الخبز واللحم. ولما شكوت إلى بعض القوم هذه المعاملة أجابوا أننى قد صرت صديق المك بعد أن أكلت خبزه ، فعار على إذن أن أضع العراقيل فى سبيل حصوله على بندقيتى. أما أنا فقد كان أسفى عليها شديدا لا سيما حين جال بخاطرى ما أنوى ارتياده من أقطار. ولكن أربعة ريالات لرجل فى ظروفى لم تكن بالمبلغ الهين. ولما يئست آخر الأمر من استرداد البندقية أو الحصول على ثمن أعلى ، قبلت الريالات الأربعة التى عرضها المك مرددا له عبارات الشكر والحمد.
وقد يدهش القارىء أن يرى الأسلحة النارية عزيزة نادرة فى هذه البلاد برغم سهولة استيرادها. ولكن الواقع أن التجار يخشون حملها لئلا يثيروا جشع الملوك ، وليس من المعقول أن يستطيع التجار عرضها فى الأسواق كغيرها من السلع أو أن يستطيع الراغبون شراءها بأسعار ثابتة إلا إذا كثر عددها. ويروع منظر البندقية الريفيين الذين يلمون أحيانا بالمدن التى يفد عليها التجار ، وهى كفيلة بحمل عشرات منهم على الفرار. وأذكر أن عربيا من الجعليين كان يحمل ريش نعام يبتغى